لماذا كلما هممنا بإضاءة شمعة أمل في درب كرة القدم المعتم إلا وهبت رياح عاتية تزيد المكان وحشة وظلمة وترمي بنا إلى إسفلت القلق واليأس؟

لماذا تتثاقل خطواتنا كلما دخلنا ممشى الديموقراطية الطويل؟

لماذا يصبح التأجيل سياطا يهوى على أجسادنا ليعاقب جهلنا بالقانون؟ 

لماذا نمعن في تعذيب النفس وفي قهر الذات وفي مطاوعة التراهات التي يريدها البعض لازمة للمشهد الكروي؟

لماذا نفشل اليوم بعد الآخر في امتحان الديموقراطية؟

حيال التأجيل الذي طال الجمع العام العادي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تداعت قصص وروايات بعضها الأول إستحضر خصلة الإجتهاد ولا يهم أن يكون الإجتهاد مصيبا أم لا، وبعضها الثاني تحدث عن نظرية المؤامرة لما يوجد بين الفريقين المتنافسين من تضادات فكرية وحتى أخلاقية تبيح الخروج كليا عن الرزانة والحكمة التي تقتضيها المصلحة الوطنية المحشوة ظلما في كل الخطابات المصدرة وبعضها الثالث إستحضر عادة الطبخ السري التي تسلق القرارات وتسلطها بلا مرجعية وبلا احترام للآخر على الرقاب، فلا نعرف بعد ذلك عند وقوع الفأس في الرأس طريقا قانونيا لمساءلة المتحصنين في غرف القرار السري، وبعضها الرابع قال أن سيف التأجيل ما هوى على الجمع العام إلا لأن الأجواء التي سادت السباق نحو رئاسة جامعة كرة القدم تسممت وتسيست ومن تم تخربت.

قد نتفق وقد نختلف مع كل هذه المبررات التي سيقت لفهم ما حدث، ولكن لا بد وأن نقف على الحقيقة الصادمة والموجعة التي تقدم نفسها بشكل فاضح، فالتأجيل مبرر قانونا بوجود عيوب في لائحتي أكرم ولقجع، ونحمد الله أن المصيبة عمت فهانت، لأنه لو كان العيب قد إقتصر على لائحة دون الأخرى لفتحت علينا جميعا أبواب الجحيم، فللذين يقفون وراء الكواليس يعرضون على الملأ خدماتهم لتوجيه المعارك الإنتخابية، قدرة رهيبة على اختلاق سيناريوهات المؤامرة، وطبعا إذا ما استحضرنا أن الجمع العام الإستثنائي للجامعة كان بدوره قد تعرض للتأجيل لوجود محظورات قانونية لا تبيحها الضرورات، فإننا نقف على هذا العرج الذي يصيب المؤسسات الرياضية، عرج خرجت به من الخيمة، لأن هناك من سولت له نفسه التلاعب بالقانون ولأننا في تاريخنا الرياضي قفزنا مرات ومرات فوق القانون بفرض أن هناك مبيحات واستثناءات تقتضيها المصلحة، ومن تطوع له نفسه يوما القفز على القانون بلا تأنيب ضمير وبلا وازع أخلاقي لا يضيره في شيء أن يكرر هذا الخروج عن القانون لعشرات المرات، حتى يصبح الخروج عن القانون عادة ويصبح التقيد به التقيد الصارم إستثناء.

مؤلم إذا أن يعري الجمعان العامان الإستثنائي ثم العادي عند تأجيلهما على هذه العورات القانونية والمشهد الرياضي والكروي على وجه الخصوص يخوض معارك للتخليق وإحلال الشرعية ودمقرطة المؤسسات وسيادة القانون، مؤلم ولو أنني مثلكم متأكد من أن طريق الديموقراطية، الخيار الأوحد لإصلاح الأعطاب الكثيرة التي يشكو منها البيت الكروي، طريق طويلة لا بد وأن نمشيها بإصرار على الوصول إلى المنتهى وعلى عدم الإستسلام للإنهزامية التي تعيدنا دائما لنقطة الإنطلاق.

وإذا كنت لا أريد الخوض في ما يتم الترويج له اليوم من مسببات عديدة للتأجيل وأحصر نفسي في العيب القانوني الذي أشار إليه بلاغ التأجيل، إلا أنني أقف عند كل الذي تداعى في محيط الجمع العام المجهض من تراشق غريب بالتهم، إلى الحد الذي أنزل بشكل مستهجن لملعب التنافس صيغا متجاوزة في هجوم طرف على الآخر وأيضا في رد طرف على الطرف الآخر، حتى أن هناك من تعزز لديه اليأس من أن يقود هذا الفعل المجرد من كل وصاية فوقية والمتمتع بالحصانة الديموقراطية إلى ما يرتضيه المغاربة، أي تغيير الحال البئيس لكرة القدم الوطنية بما هو أفضل، وأقف حزينا مثلكم عند هذا الذي يصيب به التأجيل الفريق الوطني الأول من ضرر تقني لن نستطيع مهما فعلنا جبره، فقد شاء التعاقد غير الإحترافي مع الإطار رشيد الطوسي والذي انتهى بنهاية شهر شتنبر الماضي أن يكون متلازما مع التلكؤ الغريب للجامعة في إحلال الشرعية، فقد تسبب تأجيل الجمع العام الإستثنائي وفصله عن الجمع العام العادي وما صاحب الأخير من تأجيل أيضا في عدم تدبر ورش الفريق الوطني التدبير الصحيح، بدليل أن أسود الأطلس دخلوا في عطالة جديدة إن كنا لا ندري متى تنتهي فإننا موقنون على أنها ستضيع عليهم فرصة استغلال شهر نونبر القادم لإجراء محكين وديين دوليين، مثلما يفرض عليهم الفراغ التقني أن يكونوا اليوم بلا إستراتيجية قريبة المدى، هم من يفترض أن يكونوا في خضم الإعداد لنهائيات كأس إفريقيا للأمم التي تستضيفها بلادنا بعد 14 شهرا من الآن. 

كنت أتمنى أن يكون لوزارة الشباب والرياضة الوصي المباشر على القطاع نوع من الإستباقية لدرء مخاطر التأخير الحاصل في تسمية الناخب الوطني الجديد، فبفرض أن الجامعة الحالية والمنتهية صلاحيتها وجدت أن الخوض في شأن الإدارة التقنية للفريق الوطني بنهاية عقد رشيد الطوسي ونهاية ولايتها هي سيكون بلا سند قانوني، طالما أن الأمر يدخل في إختصاصات المكتب المديري القادم، كانت المصلحة تقتضي أن تتشكل لجنة عليا مؤلفة من الجامعة ومن الوزارة ويتواجد فيها بالضرورة العارفون بالأمور التقنية ومن تتوفر فيهم الكفاءة ليقرروا بشأن حاضر العارضة التقنية للفريق الوطني باستحضار المعايير التي يتحدث عنها الكل، معيار الكفاءة والأهلية والتطابق مع المرحلة ومع الإنتظارات ومعيار الشفافية الذي لا يجعل من التعاقد مع مدرب للفريق الوطني سرا من الأسرار التي لا يحق لأي كان الإطلاع عليه.

ألم يكن حريا أن نتصرف على هذا النحو ما دام أن الفريق الوطني برمزيته وبمن يديره تقنيا لا يمكن أن يكون شأنا خالصا تتصرف فيه الجامعة بمطلق الفردانية؟