ما ضرب سيدات المغرب موعدا مع التاريخ وأخلفنه، فهن خرجن من رحم وطن هو من صنع التاريخ زمنا، بل هو من تحكم في حركة التاريخ قرونا من الزمن، وعديد الأمثال ضربها أبناء هذا الوطن في صناعتهم للتاريخ.

كان أول موعد للمنتخب النسوي المغربي مع التاريخ، قبل نحو عام ونيف، والمغرب ينظم النسخة 14 لكأس إفريقيا للأمم المؤهلة لكأس العالم، فقد كان الوصول للدور نصف النهائي بمثابة دخول فعلي للعالمية، وما أخلفت اللبؤات هذا الموعد، وهن يصلن ليس فقط للدور نصف النهائي ويحققن التأهل الأول من نوعه للمونديال، كأول منتخبنسوي عربي يحظى بهذا الشرف، بل أضفن عليه تأهلا للمباراة النهائية، التي خسرنها بهدف للاشيء وأنهين البطولة في مركز الوصافة.

شاهد اللبؤات شريطا من التحديات لأبناء هذا الوطن يمر أمامهن مر السحاب، أسود الأطلس يحققون إنجازا تاريخيا ببلوغهم المربع الذهبي لكأس العالم بقطر، ناشئات المغرب في أول مونديال لهن بالهند يحققن أول فوز لهن في تاريخ المونديال على الهند بثلاثية نظيفة، أشبال الأطلس وهم يعبرون نحو كأس العالم، محتلين وصافة كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة، وأخيرا وليس بآخر، تأهل المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة للألعاب الأولمبية 2024، مضافا إليه التتويج لأول مرة بلقب كأس إفريقيا للأمم لهذه الفئة..

رأت اللبؤات هذه الأحداث الجميلة، التي تروي عن إرادة جيل يبدع إنجازات تمخضت عن رؤية سديدة لملك حاضن للكفاءات، فزاد ذلك من طموحهن، وشعرن على أنهن قادرات بالفعل لأن يكن شقائق الأسود في صناعة المجد والفخر والتميز، فتسلحن بالإرادة والطموح وتسلحن ب"النية" التي متى خلصت خلص العمل.

بوصول المنتخب النسوي لمونديال أستراليا ونيوزيلندا، كان هناك شعور بثقل وحجم المسؤولية، فما تملك اللبؤات لحظتها غير شعور واحد بمواصلة كتابة التاريخ وصناع السعادة لشعب يعطي للسعادة قيمتها ونبلها وجمالها، لذلك لم تكن الخسارة أمام ألمانيا بسداسية نظيفة في مستهل السفر المونديالي لتثني من عزيمتهن أو تنال من طموحهن، أو أن تقتص من حلمهن، فكاتب التاريخ، كان يجلس هناك على ربوته ينتظر إشراقة شمس المغرب.

وجاءت مباراة كوريا الجنوبية، ومن سلخ جلد اللبؤات ومن استضعفهن ومن شكك في قدرتهن على إزاحة الوشاح الأسود للهزيمة أمام ألمانيا، سيبهت ولبؤات الأطلس يسجلن فوزا رائعا على الكوريات بهدف ابتسام الجريدي، فوز أدخل اللبؤات للمرة الثانية للتاريخ، فقد أصبحن بذلك أول منتخب عربي يسجل فوزا بكأس العالم، وفوق هذا وذاك، أعاد الفوز الإعتبار للبؤات، وأعادهم مجددا للسباق نحو التأهل للدور ثمن النهائي، ولو أن معادلات التأهل كانت تضع الفريق الوطني أمام حالات معقدة، فقد يصل فريقنا الوطني للنقطة السادسة بالفوز على كولومبيا وتوصد في وجهه أبواب الدور ثمن النهائي، في حال فوز ألمانيا على كوريا الجنوبية، لأن النسبة العام للأهداف وقتها ستعدم الأمل بسبب السداسية إياها أمام الماكينات.

ما انتبه اللبؤات لهذه الجبال الحاجبة للحلم، فقد مضين يسألن المجد الجديد، ويطاردن الأمل المحجوز للمجتهدات، وفكرن أولا في الفوز على المنتخب الكولومبي الذي أحدث أكبر مفاجأة بتصدره للمجموعة الثامنة، من أول جولتين بتحقيقه للعلامة الكاملة، وبخاصة بهزمه للمنتخب الألماني.

وعلى غرار ما شاهدناه في مباراة كوريا الجنوبية، كفانا منتخبنا الوطني شر البدايات، بأن نجح في إحكام السيطرة على كولومبيا، وبأن نجح في التسجيل بواسطة أنيسة لحماري، بمتابعة جيدة لكرة ارتدت من حارسة كولومبيا وهي تصد تسديدة العميدة غزلان الشباك من نقطة الجزاء.

باستبسال قل نظيره، دبر المنتخب الوطني النسوي ما تبقى من المباراة، وبخاصة ما بدر من منتخب كولومبيا من ردة فعل قوية، ردة فعل كبرياء مهزوم، وردة فعل فريق لا يريد أن يهزم وردة فعل فريق كان يخاف ضياع الصدارة منه، وانتهت الملحمة بإعلان الفريق الوطني فائزا بالمباراة المونديالية الثانية تواليا، وذاك إنجاز آخر، لكن الموعد الجديد مع التاريخ تخفى وراء الأكمة لدقائق.

كانت المباراة الأخرى بين ألمانيا وكوريا الجنوبية تعيش على إيقاع التعادل (1-1)، وهي نتيجة تؤهل الفريق الوطني، بدا وكأن الدقائق المحتسبة كوقت بدل ضائع تمضي ببطئ شديد، والكوريات يقعن تحت ضغط رهيب وما استسلمن، وما إن إنتهت المباراة على تلك النتيجة، حتى تبللت أرضية ملعب نيب بمدينة بيرث الأستراليةبالدموع، دموع الفرح، ودموع السعادة ودموع تجدد الموعد مع التاريخ، فقد أصبح المنتخب النسوي المغربي، أول منتخب عربي يصل من أول مشاركة له بالمونديال إلى الدور ثمن النهائي، وقد تفوقت في ذلك لبؤات الأطلس على الأسود الذين كان عليهم انتظار المونديال الثاني لهم بالمكسيك، ليحققوا إنجاز الوصول لأول مرة للدور الثاني.

هل يكفينا من لبؤاتنا هذا الذي تحقق لهن حتى الآن بمونديال السيدات؟

بالقطع لا، فما زال هناك موعد آخر مع التاريخ، ومنتخبنا النسوي يقابل يوم الثلاثاء منتخب فرنسا في ختام مباريات الدور ثمن النهائي، ومن نجحن في ترويض الكوريات والكولومبيات لن يعجزهن ترويض الفرنسيات،حتى لو كن حالمات باللقب العالمي.

هو إذا موعد آخر مع التاريخ، ولا نية للبؤات أن يخلفنه جريا على عادتهن.

كان الله في عون سيدات الوطن..