نسوق وهما، أم نضحك على الذقون عندما نضفي على تأهل الوداد لدور المجموعتين لعصبة الأبطال الإفريقية طابع الهلامية، أو عندما نلبس عبور الفرسان الحمر ثوب الإنجاز؟ 
إختلف المغاربة في تقدير حقيقة هذا الذي أنجزه الوداد بملعب النار بلوبومباشي وهم يحلون ضيوفا على العنيد والمشاكس مازيمبي ويسقطونه من برجه العاجي، بالتعادل معه هناك بهدف لمثله بعد الفوز عليه بالهدفين النظيفين ذهابا بمراكش، ولم أر في هذا الإختلاف رحمة، لأن خيال البعض سرح بعيدا ولأن قساوة البعض في زجر وردع حالة الإنتشاء المبالغ فيها بلغت حدا يستحق الرثاء، وما إختلفنا في واقع الأمر إلا لأننا لم نحدد قواعد رياضية وتقنية لنؤسس لأحكام القيمة التي واجهنا بها بعضنا البعض.
ليس لما حققه الوداد بدخوله دور المجموعتين أي طبيعة أسطورية ترفعه إلى سدة الإنجاز، فقد سبق الوداد إلى دور المجموعتين في السنوات الأربع الأخيرة التي أعقبت بلوغه نهائي العصبة الذي خسره أمام الترجي الرياضي التونسي، المغرب التطواني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من بلوغ المربع الذهبي العام الماضي لولا أنه رفع الراية البيضاء بطريقة مستفزة في لقاء العنيد والقوي مازيمبي، ولكن هناك الكثير مما يجب الإرتكاز عليه عند التعاطي مع ما فعله الوداد أمام مازيمبي هناك بعقر داره، حيث لا يداس له على طرف ولا يركع من أحد أمام قومه، ومع هذا الكثير سيبطل حتما العجب كلما صورنا مجازا إقصاء الوداد لمازيمبي على أنه إنجاز.
قد يكون مازيمبي ذاته هو أول الركائز التي يتأسس عليها الإنطباع المختلف عليه، تسمية وطبيعة، فلو أن الوداد واجه فريقا إفريقيا آخر غير مازيمبي البطل العنيد والمشاكس، لكنا نظرنا للفوز والتأهل لدور المجموعتين على أنه أمر عاد، غيره هو ما يوجب النقد المبرح، لأنه كان سيكون أمرا كارثيا لو ودع الوداد عصبة الأبطال من دور الثمن وأمام منافس بمقاس فني وتاريخي خفيف جدا.
أما ثاني الركائز فهي الطريقة التي تدبر بها فريق الوداد مباراة العودة بلوبومباشي، حيث كان موعودا مع نزال من نار أمام فريق مشحون ومعبأ وموجه كالقنابل العنقودية، وكان رائعا أن يحصل لاعبو الوداد على الأسلحة الفنية والنفسية والتكتيكية التي لا يقدر غيرها على حسم معركة بمثل تلك الضراوة، فبرغم أن مازيمبي حصل بداية على سيناريو مثالي بتسجيله للهدف الأول والوحيد في وقت مبكر نسبيا، إلا أن لاعبي الوداد تمسكوا بسلاح التركيز النفسي العالي الذي يقصي كل حالات الضياع والرشح المفضيين حتما للخروج عن النص، وتمكنوا من إفراغ لاعبي مازيمبي تدريجيا من حمولاتهم النفسية الناسفة، إلا أن حان وقت الإغارة بالمرتدات، فاصطادوا من إحداها هدف هجهوج الذي أطبق على لاعبي مازيمبي فأجثاهم على الركب دليلا على انطفاء الحلم وزوال الأمل.
أما ثالث المرتكزات فهي أن وصول الوداد في هذا التوقيت بالذات تزامنا مع حالة الإستنفار القصوى المعلنة لإخراج كرة القدم المغربية من نفق ومتاهة الضياع، وإمكانية بلوغ كل من الفتح والكوكب لذات الدور إن هما نجحا في عبور حاجز الثمن المكرر لكأس الكونفدرالية الإفريقية، يمكن أن يشكل تزكية فعلية لما يبذل من مجهودات من أجل مطابقة الكرة المغربية منتخبات وأندية مع متطلبات ومستلزمات المرحلة.
حتما ليس في كل الذي قلته مزايدة أو تهليلا أو نفخا في نتيجة عادية، فقد كان من حقنا جميعا أن نسعد لتأهل الوداد إلى دور المجموعتين، كما سعدنا لتخطي الفتح لسبور فيلا الأوغندي وكما فرحنا لتجاوز الكوكب لمولودية وهران الجزائري، والسعادة في ذلك، هي سعادة بالطريقة والأسلوب الذي كان به هذا العبور الجماعي، مع اليقين التام أن الوداد وهو يدخل رهان المجموعتين لا بد وأن يحضر بروح الفريق الذي أقصى حامل اللقب، ولا بد وأن يحضر بكل القيمة الفنية التي يعنيها الإنتساب لكبار القارة، وهو محتاج في سفره القادم إلى ما يشحذ الهمم وما يقوي الشكيمة وما يغني الرصيد البشري بالعناصر التي يمكنها أن تعيد للوداد زمنها الذهبي، عندما توج جيل فخر الدين ونيبت والداودي بلقب العصبة الوحيد سنة 1992.