بودريقة جاء للرجاء بكتاب الفرح في سطرين والباقي سراب
بودريقة ورث عجزا بنصف مليار وترك لحسبان عجزا فاق 7 مليارات

جاء محمد بودريقة إلى الرجاء البيضاوي ربانا ورئيسا ومهندسا لكثير من الأحلام الخضراء، جاء محمولا على موجة خضراء ارتفعت في ربيع سنة 2012 وأشرت على أن مرحلة جديدة ستبدأ لا محالة في تاريخ الرجاء.
مرحلة قد لا تنفصم كليا عن ما عداها من مراحل في تاريخ هذا الفريق الكبير، مرحلة قال الكثيرون على أنها شابة في الفكر وناضجة في الطموح وذات قدرة كبيرة على تأمين الإنتقال السلمي والديموقراطي للسلط بين جيلين قد يختلفان في الهوية الزمنية ولكنهما يتفقان على هوية حب الرجاء.
جاء بودريقة ليؤسس لزمن جديد للرجاء، زمن لا يلغي كل صلة مع رموز الماضي والأمس القريب، ولا ينفصل عن حقائق هذا الفريق الكبير ولا يضرب الموروث الكروي والتاريخي لفريق يقول عنه الزمن القديم والجديد لكرة القدم على أنه فريق حامل لبذرات الأسطورة، إلا أن الحال اليوم بعد انقضاء أربع سنوات على وصول محمد بودريقة لدفة التسيير رئيسا وقائدا للرجاء العالمي، يقول لغاية الأسف أن كثيرا مما قيل ومما جرى التنبؤ به وحتى حدسه واستقراؤه من مذكرات السفر والحلم التي كان يحملها بودريقة كانت مجرد أضغاث أحلام، مجرد حبر كئيب على ورق شاحب ومجرد كلام يمحوه النهار.
الرجاء اليوم وبعد خمس سنوات من قيادتها من قبل محمد بودريقة، رجاء مثقل بالديون، رجاء يصل عجزه المالي إلى 7.6 مليار سنتيم، فريق لم يفز بأي لقب منذ ثلاثة مواسم وفريق أبى إلا أن يؤرخ بشكل كارثي ليوم انعقاد جمعه العام الإستثنائي الذي سيعرف خروج بودريقة من الباب الضيق، بالإنسحاب مع مباراة عن أغلى الكؤوس كأس العرش.
بودريقة يرث عجزا بنصف مليار
عندما عقد الرجاء جمعه العام السنوي الإنتخابي يوم الخميس 7 يونيو 2012 بهدف طي مرحلة وفتح صفحة جديدة وقف الرئيس السابق الحاج عبد السلام حنات بشجاعة من يعرف أن إدارة فريق مثل الرجاء تحتاج إلى كثير من الجرأة ليقول، أن ما ارتكب من أخطاء في مرحلة تسييره للرجاء أبدا لم تكن أخطاء متعمدة، بل كانت أخطاء ترتبت عن طموح كبير كان يسود كل المكونات من أجل إبقاء الرجاء في فلك الأقوياء، ليس هذا فقط ولكن حنات ذهب لأبعد من ذلك وتوجه بكلمات معبرة إلى محمد بودريقة المرشح الوحيد وقتذاك للرئاسة والذي كان يصغره بما لا يقل عن ثلاثة عقود، فقال له: «الرجاء أكثر وأكبر من أن تكون مدارة من طرف أشخاص، الرجاء ملك للملايين وأنا أعرف أنك شاب طموح وستملك القدرة على الإرتقاء بالرجاء إلى مراتب الأندية المهيكلة لتكمل عملا انخرطنا فيه منذ سنوات».
في ذلك الوقت أشار التقرير المالي الذي عرض على 101 منخرط من أصل 150 منخرطا وحظي بالمصادقة إلى أن الرجاء يشكو من عجز مالي يناهز نصف مليار سنتيم، فقد كانت مداخيله خلال موسم 2011ـ2012 قد بلغت نحو 4 مليارات ونصف مليار سنتيم، في حين بلغت المصاريف خمسة مليارات من السنتيمات، ما كان يعني أن بودريقة سيواجه وضعية مالية طبيعية جدا برغم أن العجز فيها يصل إلى 500 مليون سنتيم.
هل شابت المعركة الانتخابية خروقات؟
الذين يذكرون الجمع العام الإنتخابي ليوم 7 يونيو 2012 يذكرون جيدا أن الرجاء مر بالكثير من المطبات الهوائية، فوصول محمد بودريقة إلى منصب الرئيس سيكون محمولا على كثير من الرياح والعواصف، فقبل يوم الإقتراع كان هناك ثلاثة متنافسين مع بودريقة على منصب الرئيس، سعيد حسبان الذي سيصبح بعد أربع سنوات رئيسا للرجاء وارثا لعجز مالي مهول، وجمال الدين الخلفاوي ومحمد الناصيري، هؤلاء الثلاثة سيشهرون انسحابهم من خلال ندوة صحفية عقدوها صبيحة يوم عقد الجمع العام تحدثوا فيها عن إنزال خطير  وقع على مستوى الإنخراطات وتحدثوا أيضا عن رفضهم المطلق للمشاركة في لعبة قالوا أنها لا تحترم الأدوات والأساليب الديموقراطية، وتحدثوا أيضا عن مؤامرة جرى حبكها من طرف البعض ليصبح الطريق سالكا أمام بودريقة لتولي رئاسة الرجاء.
إتهامات مباشرة لم يأبه لها بودريقة ولم يعرها كبير اهتمام، بدليل أنه مضى إلى جمعه العام واثقا من قدرته على النجاح أيا كان المنافس، وفي طريقه إلى هذا الجمع العام قال كلمته في الثلاثي المنسحب: «إنهم عجزوا عن إتمام السباق».
رئيس بخلفية في نقطة الصفر
لم يكن صغر سن محمد بودريقة الذي قدم إلى رئاسة الرجاء سنة 2012 ليسمح له بالحصول على ورقة تعريف ثقيلة على مستوى التسيير، فالرجل كان في مقتبل العمر وما ربطه بالرجاء إنتماء صريح لجموع أنصاره ومحبيه، بل إنه كان عضوا داخل إحدى الإلترات، وبالطبع عندما يأتي شاب في مقتبل العمر لإدارة ناد بحجم الرجاء يكون من الضروري أن نسأل عن الخلفيات وعن البرامج وعن خارطة الطريق، برغم أن الكثيرين قدموا لبودريقة على أنه الرجل الذي سيعلن ثورة على نمطية تسيير الرجاء.
واجه بودريقة المنخرطين وعائلة الرجاء بما أسماه الدفتر الأخضر والذي حمله الكثير من الأحلام، فالرهان ليس بالأساس هو تحقيق مزيد من الألقاب على اعتبار أن الرجاء فريق يتنفس الألقاب ولا يمكن أن يعيش بعيدا عن عشق الألقاب ولكن الرهان كان هو إيجاد آليات جديدة لتطوير مالية الفريق والرفع من حجم الإيرادات وتحقيق قفزة نوعية على مستوى الميزانية، فقد وعد بودريقة بأن ينتقل رقم المعاملات داخل الرجاء من 4.5 مليار سنتيم إلى 9 أو 10 مليارات سنتيمات من أجل أن يتساوى نسبيا مع الأندية التي تتسيد القارة الإفريقية من أمثال الأهلي والزمالك المصريين والترجي والإفريقي التونسيين.
وللوصول إلى هذه الإنجازات الإقتصادية والمالية كان من الضروري أن يضع بودريقة بمعية فريق العمل الذي شكله لقيادة الرجاء الكثير من التدابير المالية والإدارية والتسويقية على وجه الخصوص لتحقيق الغرض والوفاء بالتعهدات.
فاخر أنجح الورش الرياضي
ربما كان من أكبر حسنات محمد بودريقة أنه فكر في إسناد الورش الرياضي لرجل تقني مرجعي وبكفاءة عالية، والأمر هنا يتعلق بالمدرب محمد فاخر الذي حضر وصفة النجاح الأولى على نار هادئة، فبعيدا عن كل العيون صمم فاخر كل الإنتدابات المطلوبة لتحقيق اللقب، وبفضل حماسة بودريقة سيتمكن الرجاء من إنجاز كل الإنتدابات أو أغلب الإنتدابات التي نادى بها محمد فاخر، وكان من نتيجة ذلك بعد معسكرات تحضيرية تخللتها مباريات ودية مع أندية إسبانية (برشلونة ـ أتلتيكو بيلباو) وناد جزائري، أن الرجاء أصبح جاهزا للمنافسة على لقب البطولة الإحترافية، الذي بدا وقتذاك لقبا غاليا جدا لا يقدر بثمن على اعتبار أنه سيمكن صاحبه من المشاركة في نهائيات كأس العالم للأندية المقامة لأول مرة بالمغرب شهر شتنبر من عام 2013.
وتمكن امحمد فاخر بفضل مهنيته وحرفيته واعتمادا على تشكيل بشري أكثر من رائع من الفوز أولا بلقب كأس العرش على حساب الجيش الملكي وأضاف إلى ذلك لقب البطولة الإحترافية الذي أعطاه الحق كاملا في أن يكون بين فرسان مونديال الأندية.
ذروة النجاح في مونديال الأندية
وإذا كان بودريقة خضوعا لأحكام تقنية قدمت له على شكل فتاوى قد أقدم على مجازفة خطيرة بالإنفصال عن رمز النجاحات امحمد فاخر والإستعاضة عنه بالمدرب التونسي فوزي البنزرتي، إلا أن الأقدار ستجنب بودريقة عاصفة الإنتقادات على فعلته تلك، لطالما أن الرجاء سيكون هو مفاجأة تلك النسخة من كأس العالم للأندية عندما تمكن من مفاجأة الجميع والوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم للأندية التي خاضها أمام نادي باييرن ميونيخ الألماني بحضور صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله والذي سيكافئ الرجاء على إنجازها العالمي باستقبال ملكي وبهبة ملكية تمثلت في منح الفريق الأخضر قطعة أرضية عليها سيبني أكاديميته.
هذا النجاح الذي لعب فيه الحظ دوره الكبير هو ما سيجعل من بودريقة رجلا متهورا في إدارة الورش التقني لفريق الرجاء، إذ يكفي القول أن الفريق خلال الثلاث سنوات الأخيرة لم يستقر أبدا على مدرب واحد طوال موسم كامل، فقد انفصل عن البنزرتي بنهاية الموسم الذي عرف وصول الرجاء لنهائي كأس العالم للأندية ثم ارتبط بالجزائري عبد الحق بن شيخة وانفصل عنه بعد خروجه من نهائيات كأس العرش ثم كان الإرتباط بالمدرب البرتغال جوزي روماو الذي سيلقى نفس المصير، وبداية من الموسم الحالي كان الإرتباط بالمدرب الهولندي رودي كرول إلا أن الخروج من كأس العرش وتواضع النتائج في البطولة عجل بالإنفصال عنه للإرتباط برشيد الطوسي.
فشل رياضي وعجز مالي متفاقم
وإذا كانت المواسم الثلاثة الأخيرة التي أعقبت لقب البطولة الإحترافية ولقب كأس العرش ولقب وصيف بطل كأس العالم للأندية قد عرفت خرابا رقميا، فإن المعاملات المالية ستتدهور هي الأخرى بشكل خطير إلى أن وصلت للحد الكارثي الذي تم الإعلان عنه في الجمع العام ليوم الأحد الأخير، فأبدا لم ينجح بودريقة في كل مشاريعه التي قال انه استحدثها من قبل (رجاسطور) و(رجا تي في) التي بشر بها بهدف تحسين موارد الفريق الأخضر.
وكما على المستوى المالي الذي سجل تراجعات كبيرة تقول فعلا بوجود خلل كبير على مستوى تدبير الموارد، فإن حضور الرجاء في المنظومة الكروية الوطنية سيتأثر كثيرا بل وسيهتز بشكل كبير نتيجة العديد من الرقصات لمحمد بودريقة الذي رافق فوزي لقجع عند تنصيبه رئيسا جديدا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بصفته نائبا للرئيس.
لم يكن بودريقة ليدرك جيدا المسافة الفاصلة بين رئاسته لفريق من حجم الرجاء وبين منصبه الرفيع كنائب لرئيس الجامعة، فقد اختلط عليه الأمر ليدخل في معارك طاحنة وجانبية تسببت في كثير من الأورام لفريق الرجاء، فقد كانت البداية بصدامات علنية مع رئيس الوداد سعيد الناصيري التي اضطر وزير الشباب والرياضة وقتذاك محمد أوزين وفوزي لقجع والرئيس الجديد للجامعة لتجاوزها، ثم استمرت هذه المشاكسات مع مختلف مكونات عائلة كرة القدم عندما أنيطت بمحمد بودريقة مهمة وضع النظام الأساسي للعصبة الإحترافية، إلا أن ما سيأتي بعد ذلك أمر وأفدح.
بودريقة ملاكم فوق حلبة الإعلام
متأثرا بخلو المواسم الثلاثة الأخيرة للرجاء من أي لقب والإنعكاسات السلبية لذلك على إيرادات الفريق الأخضر والإرتفاع التدريجي لحجم العجز المالي فإن محمد بودريقة سيقرر اللعب بورقة التصريحات الغليظة وستكون له خرجات إعلامية غير محسوبة العواقب لينتج عنها صدع كبير، فقد أشهر محمد بودريقة ذات وقت رفضه لما أسماه تآمر الحكام على الرجاء، ثم عبر عن ردات فعل غير ناضجة وعاقلة منذ أن نصب سعيد الناصيري رئيسا للعصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، ومع الشعور بأن الرجاء فقد كل حظوظه في الفوز بلقب البطولة الإحترافية للموسم الحالي، سيندفع بودريقة بشكل جنوني ليطلق تصريحات صحفية لا تليق برجل يتحمل مسؤولية تسيير رئاسة الرجاء ورجل يحمل على ظهره صفة نائب رئيس الجامعة.
لقد شكك بودريقة في نزاهة المنافسات وفي مصداقية العصبة الإحترافية وحمل الجامعة ورئيسها مسؤولية الكيل بمكيالين وقال أن هناك مخططا يرمي إلى تمكين الوداد من لقب البطولة الإحترافية للموسم الثاني على التوالي، وهو الأمر الذي قالت البطولة الإحترافية في نهايتها بنقيضه تماما عندما توج الفتح الرباطي باللقب.
هذه التصريحات الغليظة والخطيرة أيضا أرفقها بودريقة بالإستقالة من منصبه كنائب لرئيس الجامعة، الإستقالة التي تظل إلى اليوم معلقة بالنظر إلى أن رئيس الجامعة يصر على إستكمال المسطرة القضائية في متابعة بودريقة على تصريحاته واتهاماته، وهي استقالة أيضا تتزامن لظروفها ولتداعياتها السلبية مع استقالة فعلية لا رجعة فيها من رئاسة الرجاء.
هل فعلا الرجاء هو من يخلق الرؤساء؟
على أنقاض وضعية كارثية تجعل من الرجاء فريقا مستهدفا بكثير من النعوث وعلى أنقاض مالية ممزقة ومديونية تنهاز 8 مليارات سنتيم ينهي محمد بودريقة ولاية من أربع سنوات على رأس الرجاء، علما أنه كان قد أشهر قبل ذلك استقالة أولى حتمت اللجوء إلى جمع عام بانتخابات سابقة لأوانها يوم فاتح يوليوز 2015 وخلاله أعيد انتخاب بودريقة رئيسا للرجاء للسنوات الأربع القادمة.
يطوي محمد بودريقة صفحات كتابه الأخضر وينهي سنوات أربع أول صفحاتها فرح وانتشاء وما بقي من الصفحات بكاء وعويل وهجاء.
ولأنني ما زلت أتذكر ما قاله أحد حكماء الرجاء، الحاج عبد القادر الرتناني الذي فاز الرجاء على عهده بأول لقب للبطولة، عند انتخاب بودريقة رئيسا جديدا للفريق الأخضر، قال: «الرجاء هو من يخلق الرؤساء» فإنني أتساءل عن الصفة التي يمكن أن يحملها الرجاء عندما يتعلق الأمر برئيس موصوف إسمه محمد بودريقة، وهل هناك فعلا تطابق بين الصفة والموصوف؟
هناك بالتأكيد سلطة للتاريخ علينا جميعا، والتاريخ هو الذي سيقول كلمته في محمد بودريقة بعد أن قالت فيه الأرقام والمعطيات والوقائع كلمتها، لقد انتهت ولاية بودريقة بعجز مالي وأدبي ورياضي يصيب فعلا بالحزن والإكتئاب.