لا أحد بيننا يحرض على طي صفحة أولمبياد ريو دي جانيرو بسبق إصرار للتخلص مما فيها من أوجاع وأحزان وخيبات أيضا، فما أكثر من جعلنا للرياضة الوطنية مزابل نرمي فيها ما يوجع الرأس وما يفضح الهشاشة وما يوثق الفشل الجماعي في تدبير حضورنا في المحافل الرياضة الكونية منذ عقد من الزمان، ومن تلك المزابل تنبث أشواك هي ما يدمي القلوب قبل الحصائل.
لا بد وأن تظل الحصيلة الكارثية للرياضة الوطنية في أولمبياد ريو دي جانيرو والتي كانت نسخة كاربونية من حصيلة لندن قبل أربع سنوات، إذ لم تزد الغلة عن ميدالية يتيمة هي بلون البرونز، ماثلة أمامنا تصفعنا في كل يوم، لتحرك فينا شعورا قوميا بتغيير المنكر الرياضي ومحاولة القبض على أسباب ومسببات الإخفاق لتجاوزه مستقبلا حتى لا تكبر بيننا وبين الآخرين الهوة ولا نستطيع بعد اليوم الحصول حتى على تلك البرونزية التي أهدانا إياها الملاكم العالمي محمد ربيعي كثر الله خيره.
لا يجب أن يشهر المسؤولون أدرعا لحماية أنفسهم وسياساتهم الرياضية، ولا يجب أيضا أن نحول التشريح إلى حرب تستبيح كل محرمات النقد الموضوعي فنحول ساحة الرياضة الوطنية إلى مأتم تبكي فيه العيون وتنهار فيه صروح الأمل، هناك حاجة لأن نتحرك بشكل إيجابي في اتجاه صناعة الحلول والبدائل لتصحيح ومعالجة وضعية كارثية ولمآل لن يزداد مع الأيام إلا سوء، فالمؤكد أن مسببات الفشل الأولمبي باتت معروفة للجميع، بل إن بعضها حذرت منه شخصيا قبل أولمبياد ريو، وعلى أساسه قلت أنه لا يمكننا أن ننتظر من أولمبياد ريو معجزات في وقت قطعت فيه رياضة المستوى العالي بعلميتها ودقة برامجها كل صلة مع الصدفة، إذا ماذا يجب أن نفعل وقد ظهر سبب الإخفاق الذي يبطل معه كل عجب؟
ما قالته لنا الألعاب الأولمبية الأخيرة بالعربي الفصيح، أن التباري في المستويات العالية يحتاج إلى المهارات الخارقة، ليس في ذلك أدنى شك، ولكنه يحتاج أيضا إلى أبطال مصنعين ومؤطرين، فهل أبطالنا الذين مثلونا في أولمبياد ريو دي جانيرو هم من هذه العينة ومن هذه الطينة؟
نكذب بل ونجني على الرياضة الوطنية إن قلنا بأن كل هؤلاء الأبطال بلا إستثناء يستطيعون تمثل كل العناصر الفنية والذهنية والرياضية والإجتماعية التي تساعد على التباري في المستويات العالية، وعندما نعترف ببعد صفوة رياضيينا الذين حجزوا لهم مقعدا بالأولمبياد عن المستويات العالية بكل ضوابطها ومستلزماتها، فإننا نعترف ضمنيا بأن الرياضة الوطنية لا يضمن لا محيطها ولا قانونها ولا رقمها الضعيف والمتأخر في معادلة العمل الحكومي التباري في المستويات العالية، وعنده يزول عنا كل عجب مما بتنا نجنيه من مشاركاتنا في الأولمبياد.
لقد عالج جلالة الملك إحدى أكبر المعضلات التي واجهت باستمرار الرياضة الوطنية وعرقلت سعيها نحو العالمية، منذ أن أنذرتنا دروة بيكين الأولمبية سنة 2008 ببداية الأفول، بأن خصص موازنة مالية كبيرة، رصدت من أجل تمتيع الرياضيين بقدر كبير من الإعداد العلمي والإحترافي، وللأسف لم ينفع ذلك في تفادي السقوط في الإمتحان الأولمبي، بسبب أن الرياضة المغربية من خلال الحكومة ومن خلال كل المؤسسات المشتغلة بالشأن الرياضي عجزت بالكامل عن مطابقة نفسها مع المستويات العالية التي تفرضها الأحداث الرياضية العالمية والكونية، وأبدا لم تتوصل إلى إحداث قطب التفوق الرياضي كمؤسسة لا محيد عنها من أجل تمكين الإبداع المغربي من التعبير عن نفسه في البطولات العالمية والألعاب الأولمبية.
ولا أستطيع شخصيا بما توفر لي من تجربة متواضعة، أن أتصور عودة للرياضة المغربية للمسرح الأولمبي والعالمي من دون قطب التميز والتفوق الرياضي الذي ترعاه الدولة وتديره الكفاءات التقنية الوطنية والدولية المستأنسة بالمستويات العالية وتساعد على تمويله الشركات والمؤسسات الإقتصادية المواطنة.
إنه خيارنا الوحيد لنتفادى الرسوب في الإمتحان الأولمبي القادم.