أكد  العداء الأسطوري المغربي سعيد عويطة الفائز بذهبية أولمبياد لوس انجلوس 1984، والمدير الفني للإتحاد الإماراتي لألعاب القوى، في مداخلة نشرتها له صحيفة "الإتحاد الإماراتية" أن صناعة البطل الأولمبي مشروع عملاق يتطلب تضافر جهود كثيرة على المستوى الرسمي والفردي، ووجود عدة عناصر لا غنى عنها لتهيئة بيئة يخرج منها البطل الأولمبي، وأخيراً اختيار نوعية معينة من اللاعبين تصلح لتكون بطلاً أولمبياً قادراً على تحقيق طموحات دولة بأكملها.
وأشار عويطة إلى أن من أهم أسباب الإخفاق في تقديم بطل أولمبي قادر على تحقيق إنجاز كبير في دورات الألعاب الأولمبية، هو أن المبررات باتت محفوظة للجميع، وباتت بعض الدول تركز على تحقيق نتائج مشرفة دون شرط الحصول على ميداليات في الأولمبياد، مضيفاً: "البطل الأولمبي لا بد أن يكون مشروعاً "حكومياً" أو مشروعاً يرعاه راعٍ تجاري كبير"، معتبراً نفسه من النوعية الثانية حيث لم يتلق دعماً ورعاية حكومية ولكنه كان نتيجة دعم راعٍ تجاري.
وكشف النجم الأولمبي السابق أن هناك عدة عناصر لا بد من توافرها في البيئة الرياضية المحيطة من أجل تهيئة الظروف لصنع بطل أولمبي، وأن النجاح شبه مضمون، إذا سار العمل وفق هذه الخطط وتوافرت الظروف المساعدة لها، ولم تقم أي دولة أو بطل باتباع هذه الخطوات إلا وكانت النتيجة النهائية جيدة على أقل تقدير.
وقال: "أول العناصر الواجب توافرها هو الصبر على الجهود المبذولة في هذا الصدد، وهو ما قد يستغرق سنوات طويلة، ولا يمكن أن نرى النتيجة سريعاً على المدى القريب بعد عدة أشهر، وإذا لم تكن النتيجة توافق أو تحقق الطموحات ننقلب سريعاً على خطط الإعداد أو مشروع البطل، وهو أمر غير مستحب ويعود بنا للخلف درجات".
وأضاف: "العنصر الثاني يتعلق باستقرار اتحاد اللعبة المشرف على صناعة البطل الأولمبي، وهو ما يعني استقرار الخطط والمشروعات التي تسهم في تجهيز مشروع البطل وإعداده بالشكل المطلوب كي يخرج إلى النور، أما في حالة عدم الاستقرار فهذا يعني تغييراً دائماً في الأفكار والخطط، وتضيع صناعة الأبطال بين هؤلاء وهؤلاء".
واعتبر عويطة وجود إدارة فنية تشرف على مشروعات وخطط صناعة البطل الأولمبي، العنصر الثالث في منظومة النجاح، حيت تتولى هذه الإدارة الإشراف الكامل وبدون تدخل من أي طرف على تنفيذ البرامج والأفكار الموضوعة بالصورة المطلوبة، أما العنصر الرابع فهو وجود طاقم فني وطبي وإداري مرافق للاعب، ويمكن أن يتضمن أيضاً مدرباً خاصاً ومساعداً للمدرب، يكونون شبه مرافقين للاعبين لتعديل وتوجيه وتنمية وتطوير مهاراتهم وقدراتهم المختلفة والتي تصب في النهاية من أجل نجاح هذا المشروع.
وتطرق عويطة إلى معايير اختيار اللاعب الذي يصلح ليكون بطلاً أولمبياً، موضحاً أن من يقع عليه الاختيار يجب أن يكون متحمساً ويحب اللعبة التي يمارسها لدرجة أن يكون "مقاتلاً" في سبيلها، ويجب أن يتسم بعدة صفات شخصية وعلى رأسها الانضباط والالتزام، وبدون هاتين الصفتين يعد كل المجهود المبذول إهداراً للوقت ولا قيمة له على الإطلاق، فالانضباط سمة أساسية من سمات البطل الأولمبي.
وأشار إلى أن الطاقم التدريبي الذي يتولى الإشراف على هذا البطل، يجب أن يتسم بعدة معايير قبل اختياره لتولي هذه المهمة، لا سيما أن هناك خطط تدريب تستمر لمدة 4 سنوات إذا كان اللاعب مستواه متميزاً ويمكن وصف بـ"العالمية"، أما إذا كان مستوى اللاعب محلياً متميزاً ويحظى بدعم ولو صغيراً، فربما يحتاج إلى برامج تدريب تصل إلى 8 سنوات، والسؤال الملح هل المجتمع سيكون قادراً على الانتظار 4 سنوات على الأقل أم يريد نتيجة سريعة؟، مستطرداً: نحن لسنا آلات نحن بشر.
واستطرد: "من الجائز أن يتعرض اللاعب للإصابة أو أي عائق مفاجئ، صحيح أن خطط الإعداد تتضمن مساراً محدداً يبدأ من نقطة الصفر وينتهي عند الوصول إلى الهدف المحقق، لكن من المؤكد أن هناك صعوبات ومعوقات وارد أن يتعرض لها اللاعب خلال هذه المسيرة، وعلى المدرب أن يعرف كيف يتعامل مع هذه الصعوبات ويعين اللاعب على استكمال مسيرته".
وكشف عويطة عن أن عمله مع اتحاد ألعاب القوى، وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لم يبدأ إلا بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو، حيث حصل على "الضوء الأخضر" للبدء في مشروعه بداية بالتنقيب عن المواهب، مؤكداً أن هناك خططاً موضوعه من أجل تخريج أبطال أولمبيين بعد 4 سنوات، وهناك خطط أخرى لتجهيز أبطال بعد 8 سنوات، موضحاً استغرابه ممن كان يتوقع منه صناعة بطل أولمبي بعد عدة أسابيع من وصوله إلى الإمارات، وقبل أن يبدأ مهمته فعلياً.
وأوضح أن مشروع صناعة البطل الأولمبي لن يكون جزءاً منعزلاً عن المجتمع الرياضي، ولكنه جزء منه، نجاحه قائم على تهيئة الجو العام، وعلى رأسه رصد ميزانية مالية ضخمة لتنفيذ هذا المشروع والتي من دونها ننسى أي شيء، وإضافة إلى العناصر السابق ذكرها مثل تحمل المسؤولية والصبر، وعدم التدخل في المشروع فنياً، فلا بد أن يكون "الإيقاع" منتظماً، بمعنى وجود مسابقات وبطولات محلية إقليمية وقارية تعمل على صقل الموهبة.
وجزم النجم الأولمبي المغربي بأن هذه الطريقة في صناعة البطل الأولمبي شبه مضمونة، وسبق له شخصياً تنفيذها مع العديد من الأبطال المغاربة الذين أخرجهم من نقطة الصفر إلى عالم التألق، وقال: "هذه الطريقة مستحيل ألا تعمل.. أجزم بنسبة 1000000٪ أنه لا بد أن نصل إلى الهدف المنشود طالما أن التنفيذ كان سليماً.. ونحن بدأنا اليوم وسنحقق هدفنا".