لا يحق لنا إطلاقا أن نتجاهل ما ألحقه إقفال مركب محمد الخامس بالدار البيضاء من مشاكل مادية ورياضية بالوداد والرجاء على حد سواء، فتأثير هذا النفي واضح على الفريقين معا، يرى بالعين المجردة وبالإمكان أن نقيم له أكثر من دليل.
كان من نتائج الإغتراب القهري أن لا الوداد ولا الرجاء نجحا في اصطياد لقب من الألقاب، بسبب ما كان عليه اللاعبون والجماهير والطاقم التقني من توتر وانكسار، نتيجة التقلب بين الملاعب الوطنية حيث وجد اللاعبون بالخصوص صعوبات جمة في الإستئناس بها، ونحن أعلم بما يحدثه اللعب في العرين وسط الجمهور من إحساس مطلق بالحماية، فالوداد والرجاء منذ كتب لهما أن يلعبا بعيدا عن الدار البيضاء، تارة أولى بالجديدة وتارة ثانية بمراكش وتارة ثالثة بأكادير، وإنعكاسات ذلك النفسية والتقنية وحتى التكتيكية كبيرة جدا على اللاعبين إلى الدرجة التي أفرغتهم من كل قدرة على المقاومة، فما أكثر ما خدم ذلك المنافسين الذين وجدوا لحظهم أنهم يحلون ضيوفا على الوداد والرجاء في ملاعب محايدة ليلعبوا مباريات أمام مدرجات شبه فارغة وكثير منهم غنم نقطا لم يكن يحلم بها.
ولو نحن عدنا لأشرطة النزالات التي خاضها الوداد والرجاء نهاية الموسم الماضي، النزالات التي أهدرا خلالها كما كبيرا من النقاط، ما باعد بينهما وبين لقب البطولة بل وحكم عليهما بالإقصاء مبكرا من منافسات كأس العرش، لوقفنا عند حجم العجز التكتيكي والرياضي الذي يستبب فيه اللعب بعيدا عن المعقل، مركب محمد الخامس بالدار البيضاء.
بالقطع الأمر لا يتوقف عند الخسائر الرقمية التي لها تداعيات كثيرة وخطيرة على البيت الداخلي، فهو يتعداه إلى ما هو أفدح وأنكى، ما يتجرعه الوداد والرجاء من خسائر فادحة بسبب اللعب بعيدا عن مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، فإضافة إلى أن الفريقين معا يحرمان من عائدات بيع التذاكر الخاصة بالمباريات التي تجرى بالمركب  وما يمثله ذلك من نسبة كبيرة في مداخيلهما، هناك أيضا تكاليف إكتراء ملاعب خارج الدار البيضاء وما يتطلبه ذلك من إنفاق على التنقلات، هذا إذا وجد الفريقان معا ملاعب تقبل باستضافة مبارياتهما.
بالقطع لا تملك الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أن تقف عاجزة عن إيجاد الحلول التي تخفف عن الوداد والرجاء وطأة النزيف المالي الحاد والذي وصل داخل الرجاء تحديدا إلى مستويات تهدد بالإحتراق، لا تستطيع الجامعة التي تنتصر في كل أوراشها لمأسسة الأندية الوطنية، أن تقف متفرجة على هذا الإجهاز المقيت على فريقين عملاقين، إن جاهرا بحالة الإفلاس المتربصة بهما، لم يقفا عند حط مبكى للتهديد بالإنسحاب، فهناك حاجة ماسة لإيجاد مقاربة جديدة في التعاطي مع درجة الإنتساب التي تصلها الأندية مع الملاعب التي توجد في نفوذها الجغرافي.
بالقطع لا أحد يمانع في أن يقرر مجلس مدينة الدار البيضاء إغلاق مركب محمد الخامس بالدار البيضاء وهو الذي يوجد في ملكيته من أجل التقويم والإستصلاح، فهذا الملعب هو إرث للمدينة بكاملها، وشرط الوصاية يفرض عدم التفريط فيه، إلا أن الأدبيات كانت تفرض أن يكون قرار إغلاق مركب محمد الخامس بتوافق كامل مع ناديي الرجاء والوداد باعتبارهما الناديان اللذان يستغلانه منذ عقود من الزمن حتى بات معقلا وحصنا لهما، بل الأكثر من ذلك أن لا يفعل قرار الإغلاق للبدء في الإصلاحات، إلا وقد إطمأن الكل على أن الوداد والرجاء وجدا ملاعب يستقبلان فيها في آجال زمنية محددة ومضبوطة.
ومن يقول أن مجلس مدينة الدار البيضاء في حل من كل إلتزام أدبي بإقفال المركب بمباركة من الناديين معا، بحكم أن المركب هو في ملكيته، خاطئ بل ومتجني وظالم، فما بين مجلس مدينة الدار البيضاء وما بين الوداد والرجاء عقد إجتماعي ووظيفي لا حق لأي كان التحلل منه، فالوداد والرجاء كقامتين رياضيتين باسقتين وكمرجعيتين قويتين في تاريخ كرة القدم الوطنية والعربية والقارية، يحملان تفويضا من الدولة لتنشيط الشباب ولصناعة الفرجة ولتسويق صورة المدينة جهويا وقاريا وعالميا.
هذا التعاقد الرياضي والإجتماعي بين الأندية بوصفها مؤسسات رياضية جالبة للمنفعة وبين مؤسسات الدولة عمومية كانت أم تشريعية، والذي لا يحضر عندنا في المغرب لغاية الأسف بشكل مشرعن، هو ما يجب أن يقودنا جميعا وزارة شباب ورياضة وجامعة وإعلاما إلى طرح إشكالية العلاقة القائمة بين الأندية الرياضية وبين الملاعب التي توجد في نفوذها الجغرافي، لصياغتها بشكل يتوافق مع الأدوار الكبيرة المناطة بالأندية الرياضية.
مؤسف أن نكرر عبارات الرثاء لهذا الذي يضرب الوداد والرجاء بعنف جراء أشهر من الإغتراب وما تسبب فيه من وجع ومن خسائر، من دون أن نتحرك لإيجاد الحلول.