نقسو على كأس إفريقيا للأمم، عندما ننزع عنها كينونتها، هويتها والهواء الإستوائي الذي تتنفسه بملء رئتيها، ونقسو عليها أكثر إلى حد التجني، عندما نخضعها لمقايسات مع بطولات قارية أخرى كبطولة أوروبا للأمم أو كوبا أمريكا، ونحن أعلم الناس بأن القياس باطل لما يوجد أصلا من فوارق في التركيبة والمناخ والبيئة والطبائع.
كأس إفريقيا للأمم هي حالة خاصة، بل تكاد تكون استثناء في الزمن والمحيط الكرويين الحاليين، لذلك كل من يقترب منها يعجب بها ويتعجب لقدرتها على أن تعيش بكبرياء وسط المتربصين والمتحرشين من الذين يربكهم أن تنظم هذه الكأس القارية كل سنتين وليس كل أربع سنوات وأن تختار لها زمنا يصيب النوادي الأوروبية على وجه الخصوص بوجع كبير، فكلما دخلنا كأسا إفريقية بمطارق السؤال وكل صيغ العجب والخوف، إلا وخرجنا منها ونحن نقول هي فعلا قارة العجائب، لماذا؟ لأنها تنجح باستمرار في قهر الصعاب وتحقيق ما يشبه المعجزات. 
ومع ما تحرص الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم عليه أشد الحرص، لتعميم خيرات ومنافع كأس إفريقيا على القارة، فإنه من الضروري أن نربط هذه النزوع للنهوض بدول القارة من خلال إسناد تنظيم كأس إفريقيا للأمم لها، بحجم التضحيات التي يقدمها نجوم القارة وسفراؤها في قارة الحداثة والمال والشهرة (أوروبا)، عندما ينتزعون من رفاهية الإحتراف، ويقادون إلى مسارح للتباري وإلى محيطات لا علاقة لها بما ألفوه مع نواديهم هناك بأوروبا أو حتى آسيا، صحيح أنهم يبرزون في ذلك قيمة الإنتماء للوطن بما يفرضه من تنازلات لتأدية الواجب، إلا أنهم بموازاة ذلك يظهرون مدى فخرهم بأن يكونوا أفارقة.
قطعا لا يوجد في هذا الذي أقوله اليوم أي تناقض مع ما كتبته قبل أيام، وأنا أدعو الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى تحمل مسؤولياتها اتجاه مونديال القارة، فمع الفخر الذي يتملكني وكل الأفارقة والعرس الكروي القاري يجلب إليه إعجاب العالم قبل عيونهم، ومع تقديري الكامل لكل الوثبات العملاقة التي حققتها كأس إفريقيا للأمم منذ أن أطلقتها عبقريات إفريقية قبل 60 سنة، ومع الإعتراف بأن ولاية الكامروني عيسى حياتو على رأس «الكاف» والتي تصل قريبا سنتها الثلاثين حسنت كثيرا وجه «الكان»، إلا أنني ملح في أن تدفع الكونفدرالية لجنتها للدراسات والتطوير إلى تقييم مهني وموضوعي للنسخ الواحدة والثلاثين التي نظمت حتى الآن، من أجل التأسيس لمقاربة جديدة، بهدف تطوير عمق ومضمون كأس إفريقيا للأمم وإبداع أبعاد إستراتيجية جديدة، لا تضحي بهوية الكأس ولكن تحصنها أكثر في عالم تقوى فيه المنافسة لتبلغ حد الشراسة.
وقد قرأت ذات وقت للسيد هشام العمراني الكاتب العام للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ما هو أصل وثابت في فكر الكاف ومعاملتها لكأسها الأممية، فقد قال أن إفريقيا لا تريد أن تنسج على منوال أوروبا بالزيادة في عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، لأنها تنطلق من  بالأساس من حقائق وممكنات دول القارة، فإن كان ميسرا لثلث دول القارة تنظيم كأس أممية إفريقية بمنتخبات يزيد عددها عن 16 منتخبا ليصل مثلا إلى 24 منتخبا، فإن الثلثين الباقيين لن يستطيعا ذلك على الأقل الآن أو حتى خلال الست سنوات القادمة، لوجود العديد من الإكراهات، وأبدا لا يمكن أن تضحي قارة بثلثي دولها من أجل تمديد مساحات التباري مع ما يحققه ذلك من عائدات مالية وأيضا من تنمية رياضية، بالنظر إلى أن كل زيادة في عدد المنتخبات هي بمثابة توسيع لدائرة التنافس وإبراز لقوى كروية جديدة.
نتجاوز عن كل الإختلالات التنظيمية التي سادت نسخة الغابون المنتهية يوم الأحد الأخير بتتويج الأسود غير المروضة أبطالا لإفريقيا، بالقطع لا، فكل بطولة بحاجة إلى تشريح دقيق يسمي النجاحات التنظيمية وحتى الإخفاقات، لذلك أملنا كبير أن تتوجه الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم من الآن إلى نسخة 2019 بالكامرون، لتضمن لها نجاحا كبيرا ولتضيق قدر ما تستطيع هامش الأخطاء.