على قلة خرجاته الإعلامية، كان الملغاشي أحمد واضحا في هندسة القاعدة التي سيشتغل عليها وقد قدرت الظروف أن يصبح الجالس على عرش كرة القدم الإفريقية للسنوات الأربع القادمة، وفي الكشف عن الأسلوب الذي سيعمل به في تصريف الإرث الثقيل لخلفه الكامروني عيسى حياتو، الذي صبغ الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بألوان وتعابير فكره.
وإذا لم نأخذ بالإعتبار كل ما قطعه الملغاشي أحمد على نفسه من وعود، بأنه لا يتصور أن يطيل مقامه على رأس الكاف لاثنتي عشرة سنة كاملة، قوام الولايات الثلاث التي أصبح النظام الأساسي لـ «الكاف» ينص عليها كأعلى سقف زمني، فإنه من الضروري أن نتناول بالتحليل الإشارات التي بعث بها أحمد إلى الآن، وهي كثيرة على كل حال، بعضها كان بأديس أبابا الشاهدة على التحول التاريخي الذي طرأ على غرف قرار المؤسسة الوصية على كرة القدم الإفريقية، وبعضها الآخر هو من وحي ما إكتشفه الرجل في أيامه الأولى على رأس «الكاف».
لا خلاف على أن الملغاشي أحمد كان البديل / المفاجأة لعيسى حياتو، ولكنه كان الخيار المنطقي لصنع التغيير، فما كان مقبولا على الإطلاق أن تظل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم خارج سياق التاريخ ومعاكسة لتيار التغيير الذي جرف أول الأمر رؤوسا شاخت داخل الفيفا، وبعدها قطف رؤوسا إما أنها تورطت في قضايا الفساد وإما أنه آن الأوان لكي تترجل خارج المشهد، لذلك مهما قبلنا بأن الملغاشي أحمد كان محميا ومدعوما من جياني إينفانتينو الرئيس الجديد للفيفا، الذي ما عاد يقبل بوجود أذناب بلاتر، وما عاد يستصيغ أن يعمر أشخاص في مؤسسات قارية لمدة تزيد عن الثلاثة عقود، إلا أننا مقابل ذلك لن نقبل بأن يكون أحمد محركا ومدارا بالأساس من إينفانتينو.
البعض قال أن الملغاشي بما أطلقه من تصريحات بخصوص كأس إفريقيا للأمم، بدأ بالفعل في تنفيذ ما جرى التعهد به سرا، وأن المقاومة الشديدة التي أبداها حياتو لمدة ثلاثين سنة من أجل الحفاظ على سيادة إفريقيا على كرتها ستتلاشى بالكامل، فكيف يجرؤ الملغاشي أحمد على معاكسة ولي النعمة، من كان له سندا وأي سند في إزاحة الأسد حياتو من عرينه؟
والحقيقة أن التكوين الأكاديمي البحث للملغاشي أحمد، يقدمه في جلبابه الجديد كقائد لكرة القدم الإفريقية كرجل حوار منفتح على كل الآراء، يستمع إليها ويحللها ويطرحها بكل ديموقراطية على النقاش، وبعد ذلك يقرر وهو موقن بأن هامش الخطأ في صنع القرار بات ضيقا للغاية.
ماذا يضير أحمد وأعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، أن يفتحوا نقاشا ديموقراطيا يتأسس على ثلاثة أسئلة، ترتبط بكأس إفريقيا للأمم التي كان حياتو يجزم على مر السنين أن إقامتها كل سنتين وتنظيمها مطلع كل سنة خطان أحمران:
أول الأسئلة: هل بالإمكان أن تنظم كأس إفريقيا للأمم صيفا؟
ثاني الأسئلة: هل يمكن تحويل كأس إفريقيا للأمم من سنتين إلى أربع سنوات؟
أما ثالث الأسئلة: لماذا لا تنظم كأس إفريقيا للأمم ب 24 منتخبا بذل 16؟
ثلاثة أسئلة يجب أن تطرح على خلايا تضم خبرات رياضية وإقتصادية ومناخية، وكيفما كانت الإجابات، فإن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ستكون قد ربحت رهان الشفافية المطلقة في التداول حول قضايا مصيرية، وستكون قد عبرت لكل القارات الأخرى بخاصة تلك التي تقول أنها متضررة من النظام الحالي لكأس إفريقيا للأمم، عن قدرتها على صناعة قرارات السيادة باحترام كامل لكل المواثيق الدولية التي تضع جسورا في ما بين الإتحادات القارية، بهدف التطابق مع الأهداف الكبرى التي تعمل الفيفا من أجلها.
وإذا كان هناك من يعير كبير إهتمام للمقاربة التي سعتمدها «الكاف» برئيسها الجديد، في التعاطي مع زمن وشكل تنظيم نهائيات «الكان» فإن الأكثر إلحاحا على القادة الجدد لـ «الكاف»، هو التربيطات التي تمت قبل رحيل حياتو، والمتعلقة بالدول التي عهد إليها تنظيم كأس إفريقيا للأمم خلال النسخ الثلاث القادمة وأيضا العقود طويلة الأمد التي أبرمت مع مؤسسة فرنسية باتت تحتكر التسويق والنقل التلفزي للبطولات الإفريقية لمدة تصل إلى 12 سنة.
هناك حاجة ماسة إذا إلى التقيد الصارم بدفاتر التحملات مع كل الدول التي أنيطت بها مهمة تنظيم مونديال إفريقيا، حتى لا يتكرر ما حدث مع الغابون عند تنظيمها للنسخة الثلاثين مطلع هذا العام، وهناك حاجة أقوى لافتحاص ما أبرم من عقود حتى لا يكره أحمد ومن معه على العمل بأيد مكتوفة.