من قبل أن يبدأ عبد الحق بن شيخة رحلة الثأر من مرور أول بالرجاء شنق عن سبق عمد، وجد نفسه مكرها على تقديم إستقالته من منصب أقل ما يمكن وصفه بأنه موضوع على فوهة بركان، وكأني بمآسي الرجاء التي بدأت منذ رحيل بودريقة وقد خلف وراءه ديونا ثقيلة تشيب لسماع أرقامها الرؤوس، لا تريد أن تنتهي برغم أن الموسم إنتهى بما لا يعد ولا يحصى من الوقائع المشينة التي لا تشرف لا تاريخ ولا إسم الرجاء.
تحت الضغط أو تحت التهديد أو شعورا منه بأن ركوب صهوة التحدي الجديد مع الرجاء ستعرضه لمخاطر كثيرة، فإن عبد الحق بن شيخة قرر النزول من غرفة القيادة التقنية التي لم يعمر فيها إلا يومين أو ثلاثة، وأعتقد أن بن شيخة أدرك جيدا أنه أخطأ بالعودة في هذا التوقيت بالذات للرجاء، حتى وإن كان قد نجح في تدجيج وتحصين عقده، بل وتذييله بمؤخر طلاق رهيب ليتفادى لدغة ثانية من نفس الجحر.
خطأ بن شيخة الذي يقدر جيدا مرتبة الرجاء وماذا يعني الإشراف على عارضتها التقنية، هو أنه لم يستوعب جيدا المنزلقات الكثيرة، بل والأشواك الدامية التي سيمشي عليها ما لم تستطع عائلة الرجاء الجلوس لطاولة الحوار لتصفية التركة البغيضة وإبادة عناصر الخلاف والترفع عن كل الممارسات الدنيئة التي يلجأ إليها كل من يريدون إشاعة الفتنة من وراء أفنعة كثيرة.
الشارع الرجاوي يتجمهر بين الحين والحين مناديا برحيل سعيد حسبان، وبرلمان الرجاء منقسم بين من هم مع حسبان ومن هم ضده، واللاعبون الممتدة عقودهم لمواسم أخرى لا يريدون أن يعيشوا موسما كارثيا كالذي طويت صفحاته وما زالت مآسيه راسخة في الذاكرة، والحكماء يعلنون اليوم أن صدورهم قد ضاقت بما يشاهدونه، فما إن يطفئوا نارا للفتنة حتى تتقد أخرى، ومن يجزم وأنا منهم بأن هناك للأسف من يمسك بخيوط اللعبة القذرة، يهيج ويستنفر ويقطع الطريق على كل من يريدون أن يمشوا في طريق الحل.
جمعتني بسعيد حسبان أحاديث كثيرة متفرقة في الزمن، وكنت أشعر به وكأنه غدر به، من شجعوه على ركوب التحدي الخطير يوم رحل بودريقة، تخلوا عنه في اليوم الموالي، وهو موقن بأنه فعل ما يستطيع من أجل أن يصد الريح السيئة التي تهب على الرجاء بسبب مديونيتها الثقيلة، بل إن حسبان يقر بأنه لا يعترض على رحيله اليوم قبل الغد عن الرجاء إن وجد بالفعل من يخلفه في منصبه، من له القدرة على مواجهة طاحونة الأزمة المالية لفرملة سرعتها الجنونية.
مشهد رجاوي محزن، لا يمكن أن نطيل البكاء والنواح أمامه، فهو يعني فريقا نؤمن بأنه أحد أقوى أضلاع كرة القدم الوطنية وما كان البكاء ليجدي حتى وإن جلب الشفقة، لذلك فالحاجة ماسة إلى صناعة الحلول العملية، ووضع اليد على هذه الحلول لا يمكن أن يكون إلا بالحوار المطبوع بالتحضر والمحصن بحب الرجاء، لذلك وجب الدعوة إلى ما يشبه الجمع الإستباقي أو التمهيدي يحضر فيه كل الفرقاء والمنتسبون للرجاء من جميع الأطياف، ويقع التصادم بين الأفكار والرؤى من دون مزايدات، ليتم أولا إقتلاع كل الإحتقانات وتجفيف كل منابع الخلاف، والتوجه بعدها بأنفس زالت عنها الضغائن إلى المرحلة القادمة، مرحلة إعادة الإعتبار لمرجعية وتاريخ وإسم الرجاء.
ولن يقنعني أي كان من أن عائلة الرجاء متى تصافت قلوبها ومتى توحدت ضد صناع الفتنة والفرقة ومروجي المغالطات إرضاء لأنفس مريضة، متى رممت الرجاء الصفوف، فإنها ستتمكن لا محالة من القفز على الأزمة المالية مهما بدت أرقامها للبعض فلكية.