مفارقة غريبة تلك التي يعيشها الدفاع الجديدي الذي حقق طفرة نوعية كبيرة في مساره الكروي، إلا أن حضوره القوي في منافسات البطولة والكأس لا يوازيه أي تحول إيجابي على مستوى المتابعة الجماهيرية لمبارياته على الأقل بملعب العبدي والتي تظل حتى الآن الأضعف في بطولتنا الإحترافية. هذا النفور غير المعتاد للدكاليين هو إمتداد للعزوف الجماهيري الذي عاشه وصيف البطل في الموسم المنصرم، فمعظم مبارياته السابقة التي خاضها بميدانه دارت أمام مدرجات شبه مقفرة، وهو مشهد مستفز حقا تكرر في عديد المناسبات ولا يشرف فريقا عريقا بحجم فارس دكالة، ولم تكن الحملات التحسيسية والنداءات المتكررة للاعبين وأفراد الطاقم التقني سواء في وسائل الإعلام أو مواقع التوصل الإجتماعي ولا الإصلاحات الهامة التي شهدها الملعب كافية في وقف إضراب الجماهير الجديدية التي مازالت مصرة على مقاطعة مباريات الدفاع المحلي حتى إشعار آخر.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، عزوف واضح وتراجع ملحوظ في منسوب الحضور الجماهيري بملعب بن محمد العبدي الذي إكتسى هذا الموسم حلة جديدة دون أن تتغير أحواله، وهي إشكالية تؤرق بال المسؤولين واللاعبين على حد سواء. «المنتخب» تحاول من خلال هاته الورقة الكشف عن أهم أسباب حالة الجفاء بين الجمهور الجديدي وفريق المدينة الأول. 

حسابات ضيقة 
قبل مواسم قليلة، توترت العلاقة بين مناصري الدفاع وإدارة النادي بلغت إلى حد تنظيم إحدى الفصائل الداعمة وقفات ومسيرات إحتجاجية بأهم شوارع الجديدة وأمام ملعب العبدي رافعة شعار التغيير و«إرحل» في وجه القائمين عن الشأن الكروي الجديدي وقتئذ، وازدات حدة الصراع وتواصل رهان القوة المتبادل بين الجماهير الجديدية والمسيرين بعد إعتلاء المكتب الحالي بقيادة الدكتور عبد اللطيف المقتريض قمة هرم التسيير، ورغم المساعي الحميدة التي بذلت من طرف بعض ذوي النيات الحسنة، وتنازل أعضاء من مكتب الدفاع الحسني الجديدي عن مقاضاة بعض المشجعين، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لرأب الصدع ونزع فتيل الخلاف بين الطرفين، والنتيجة أن هجرت فئات عريضة من الجمهور مدرجات ملعب العبدي، متهمة بعض العناصر بخلق صراعات وحزازات داخل صفوف المناصرين واستنساخ فصائل موالية للمكتب الحالي. 

المقاربة الأمنية
مباشرة بعد صدور قانون الشغب وحل الإلترات من قبل وزارة الداخلية، فرضت السلطات الأمنية بالجديدة إجراءات أمنية صارمة ومشددة ضد الجماهير الدكالية بمختلف تلويناتها بما في ذلك منع القاصرين من ولوج الملعب، وترحيل إلترا «كاب صولاي» الفصيل المساند للدفاع من منطقة نفوذها بالمدرج الجنوبي «الكورفا سود» إلى مدرجات شميشة في الجهة المقابلة المنصة المغطاة، وتخصيص «الفيراج» بالكامل لأنصار الفرق الزائرة، وهي مقاربة أمنية سعت من ورائها السلطة المحلية إلى تفادي أحداث الشغب وتوفير الظروف المواتية للجماهير الرياضية التي تصاحب فرقها إلى مدينة الجديدة أثناء عملية الدخول وكذلك عند مغادرتها للملعب بعد نهاية المباراة، وهو القرار الذي أغضب كثيرا عددا كبيرا من المناصرين المتعصبين لـ«المهيبيلة» والحاملين لثقافة الأولتراس ودفعهم إلى قطع صلتهم بملعب العبدي، مكتفين بمتابعة فريقهم عبر شاشة التلفاز.

نظام «الويكلو» 
من جملة القرارات المفاجئة التي عكرت صفو العلاقة بين مكتب الدفاع والجمهور الجديددي وأجبرته على إدارة ظهره لملعب بن امحمد العبدي حرمانه من حقه في حضور الحصص التدريبية للفريق ومتابعة ودياته، وهو القرار الذي كان قد إتخذه المكتب المسير كإجراء إحترازي على عهد المدرب جمال سلامي بعدما ساءت أحوال ونتائج فارس دكالة وقتئذ خوفا من غضب وسخط الأنصار، ليتحول إلى سنة مؤكدة في الموسمين المواليين دون مبرر معقول، حيث تم فرض نظام «الويكلو» في جميع الحصص التدريبية وفرضت حراسة مشددة على مداخل الملعب من قبل حراس الأمن الخاص للحيلولة دون تسلل أحد المشجعين إلى الملعب، هذا  القرار الإنفرادي وغير المحسوب النتائج لم يستسغه أحد من جماهير الدفاع الذين ردوا عليه بالعزوف عن المباريات المحلية للفريق الدكالي.

تذاكر بأسعار مزاجية 
على غرار المكاتب السابقة التي تعاقبت على تسيير دواليب الفريق الجديدي لم يجرؤ المكتب الحالي على توحيد ثمن التذاكر التي تمكن الجمهور من ولوج ملعب العبدي، حيث يتم تحديد أثمنة مزاجية في كل مباراة على حدة والتي تتحكم فيها غالبا طبيعة الخصم وقاعدته الجماهيرية، إذ بدون سابق إخبار أو مبرر معقول يتم الرفع من ثمن التذاكر، خاصة خلال المباريات التي تكون الأندية البيضاوية طرفا فيها والتي تتنقل عادة بأعداد غفيرة من جماهيرها إلى مدينة الجديدة لمساندة فريقي الوداد والرجاء في صداميهما أمام الدفاع، حيث تروم إدارة الدفاع من وراء زيادتها «غير المشروعة» إنعاش خزينة النادي في هاتين المباراتين والتخفيف من أزمته المادية، وأمر طبيعي أن تغضب مثل هذه القرارات المزاجية فئات عريضة من أنصار فارس دكالة خاصة من الحرفيين وذوي الدخل المحدود الذين يجاهدون من أجل توفير ثمن التذكرة التي لا يؤديها لغاية الأسف بعض الميسورين والمحظوظين الذين يستفيدون من دعوات مجانية يوزعها عليهم أعضاء من المكتب المسير الذي عمد هذا الموسم في خطوة إيجابية إلى تخفيض أثمنة بطائق الإشتراك السنوية التي طرحها مؤخرا للبيع في وجه الجمهور لتحفيزه على العودة من جديد إلى المدرجات في موسم التحديات.

غياب التواصل مع الجمهور 
باستثناء بعض المبادرات الفردية والمعزولة لرئيس الفريق والتي لا تتخذ طابعا رسميا، مازال مكتب الدفاع الحسني الجديدي يتعامل بنوع من الجفاء والإستعلاء مع الجمهور، وهي إشكالية حقيقية ساهمت بشكل كبير في هذا النفور الجماهيري غير المعتاد للدكاليين من متابعة مباريات فريقهم بميدانه، حيث يفتقد المسؤولون حتى الآن إلى إستراتيجية تواصلية حقيقية وفعالة، ومقاربة تشاركية تروم الإنفتاح على الجمهور بإعتباره مكونا أساسيا في المنظومة الكروية، وذلك من خلال تنظيم يوم تواصلي يتم فيه إشراك كل الجمعيات المحلية والفصائل الداعمة لبث روح الإنتماء في نفوسهم، وفتح نقاش جدي يتم خلاله طرح البدائل الواقعية والممكنة التي من شأنها أن تعيد الدفء والحماس إلى مدرجات ملعب العبدي التي أضحت مقفرة ومهجورة، إلا من بعض الأنصار العاشقين المتيمين والأوفياء لـ«المهيبيلة» كما يلقبها محبيها الذين يواظبون على الحضور لملعب العبدي لمؤازرة اللاعبين أثناء المباريات.