يسألني زملاء صحفيون كلما ضمتنا جلسات مسامرة وخلوة غير شرعية عن سر صمود «المنتخب» لأكثر من ثلاثة عقود عن لغز السيرورة المثير لكل أنواع الفضول، خاصة بعد  كل هذا المد الإلكتروني الهادر والمسخ الأنترنيتي المتدفق بلا ضمير ولا رقيب، فيداهمونني بأسئلة استنكارية لا ينتظرون من ورائها جوابا:
من أين لكم كل هذا الصمود؟ ألم تيأسوا بعد؟ ألم تستسلموا لسلطان الإلكتروني؟ ألن تنهاروا؟ ثم ينصرفون لحالهم دون أن يقتنعوا بالدفوعات المقدمة ومصرين على أنه خلف كل هذه المسيرة المظفرة والريادة المعلنة وبلا منافس، هناك قوة خفية؟
عصي علي إقناع كل هؤلاء الرفاق أن تخليد «المنتخب» لأكثر من 3 عقود من الإستمرارية إنما ينهل من معين مصداقيتها ومرونتها وخطها التحريري المعتدل الوسطي، لأنهم أبناء نفس الدرب والقبيلة وغير مستعدين لتصديق هذه الرواية بعدما جربوها وفشلوا.
جرب معادو «المنتخب» كل الوصفات، ساروا في فلك السلخ والتشهير فلم يفلحوا، حيث أتوا كما هو حال الساحر الذي ينقلب عليه بهتانه، حاول بعضهم استنساخ الصورة ففشل في محاكاة الجوهر والأصل الذي لا يتبدل ولا يتغير ولا يلبس ألوان المرحلة بعدما جعلت الصحيفة القارئ رأس مالها الأوحد وضامن بقائها حتى أصبح حب المنبر يورث بين الأجيال.
جريدة تجايل بعصامية صاحبيها وعرابيها 3 مونديالات ببصمة أطلسية، واخترقت أسرار كؤوس إفريقية بلا حصر وواكبت الزمن الذهبي الألمعي للأندية الوطنية أيام سطوتها الإفريقية، ناهيك عن مواكبة ومرافقة أبطال صناديد في ساحات أولمبية.. هي وحيدة زمانها من الصحف المختصة بالمغرب، وحري بها أن تحظى بتكريم يليق بأسطوريتها التي أقلقت البعض وما زالت.
الوصفة السحرية التي كفلت لصرح «المنتخب» البقاء صامدة بوجه عاديات الزمن وكل المؤثرات التي تجهز على اقتصادات بلدان، فما بالك بصحيفة رياضية مستقلة رأس مالها قارئها، وكانت حرب الخليج التي أجهزت على عديد الصحف الرياضية وأثرت في الإقتصاد العالمي أكبر امتحان اجتازته وبتفوق، إضافة لملف العميد ثابت الشهير، قلت القناعة ووحدة صف أقلامها ورضاؤهم بـ «القليل المداوم» وليس الكثير المقطوع هو السر الباهي خلف ملحمة الإستمرارية والريادة.
لو لم تحضر هذه القناعة لكان قائد القافلة وعراب «الزاوية» السي مصطفى بدري قد اختار المسلك السهل منذ زمن و لباع أصل الصحيفة ونال زبدة البيع وراح ليرتاح كما ارتاح بعض من أقرانه الإعلاميين الذين ارتاحوا من صخب المطابع ووجع أسعار الورق والطبع وهواجس الموزع ووصول المادة الإخبارية طازجة وفي الوقت المحدد لكل المدن المغربية، ومن كوابيس تدبير كتلة الأجور وفي وقتها المحدد لفريق العمل، ولكان يمضي اليوم تقاعده المريح في جزر الباهاماس والباربادوس كما يفعل عدد غير يسير من باطرونات الصحف.
هي نفسها القناعة التي آثر من خلالها مدون الكلمات ومفلسف الأشياء السي بدر الدين الإدريسي أن يمضي سحابة يومه بحثا عن الملفات الثقيلة ومتحريا خلف الإحصائيات وتأريخ الأحداث المهمة لتبقى في الخزانة الرياضية المغربية وتمثل إرثا خالدا للأجيال اللاحقة ومستهلكا طاقته وأعصابه، ولاختار أن يلبس كل ميركاطو إعارة مغرية في خليج الدولار بأضعاف مضاعفة  لما يربحه اليوم بصفة رئيس تحرير الجريدة.
وأيضا نفسها القناعة التي مثلت للعبد لله نبراس الهدى والثبات على الموقف وألا يستبدل عشقه الأول والوحيد بغيره بعد أن ولجنا محرابها بصدقية الوفاء للعهد، ولجناها عزابا فرافقتنا في فلك المتزوجين والأباء ولله المنة والفضل، ولم تجرفنا لا الإغراءات الداخلية ولا الإعارات الخارجية كما هو حال باقي الزملاء، ما جعلها صحيفة بهوية وجريدة ببصمة وليست صحيفة حربائية.
هذا السر الذي يفرض فرضا على وزارة الثقافة التي تدقق هذه الأيام في المواقع الإلكتريكية الشاذة، أن تعترف لـ «المنتخب» بما لها من أفضال على الرياضية المغربية وتكافئ عصاميتها بالكرة الذهبية التي لا يحوزها غير الأبطال والمهنيون العصاميون.