ADVERTISEMENTS

رجاؤنا كبير في الأولاد

بدرالدين الإدريسي الجمعة 30 نونبر 2018 - 13:12

تركتني مباراة الرجاء وفيتا كلوب برسم الجولة الأولى للنهائي الحلم، مبهورا ومفتونا ومقتنعا تمام الإقتناع من أن كرة القدم الوطنية بمقدورها عبر أنديتها ومنتخباتها أن تحاكي المستويات الكروية العالمية التي نقف إزاءها مشدوهين نهاية كل أسبوع ونحن نتنقل بين حدائق الإبداع، نستمتع بتشكيلات رائعة من الفن الرفيع.
مقتنع مثلكم أن الرجاء، بالثلاثية التي فاز بها يوم الأحد الأخير على العنيد والقوي فيتا كلوب الذي استحال عليه ترويضه في الخمسة نزالات التي سبقت نزال الأحد الأخير، لم يضع غير اليد الأولى على اللقب الإفريقي، إذ يحتاج الرجاء بحسب ما استنتجنا من معاينة لقاء الذهاب هنا بالدار البيضاء، إلى مباراة بطولية أخرى هناك بالكونغو الديموقراطية، ليضع اليد الثانية على الكأس ويضمن لكرة القدم الوطنية لقبا قاريا ثانيا على التوالي على مستوى الأندية.
مبهور بما شاهدته من أجواء تحف بالمباراة، بالحضور الجماهيري القياسي وبالإحتفالية الرائعة التي صاغتها هذا الجماهير وأيضا بدرجة تفاعل لاعبي الرجاء مع هذه الطقوس المجتهد في تصميمها، إلى درجة أنها أعطتهم أجنحة من نار حلقوا بها في ملعب الرعب، فنشروا الضوء والمتعة، ليس القصد أنها المرة الأولى التي تأتي فيها جماهير الرجاء بكل هذه الشحنات العاطفية الساحرة والتلوينات التي توقظ المشاعر، ولكن القصد أن جماهير الرجاء لا تتوقف عن إبداع صور أنطولوجية للتعبير عن تعلقها بنسورها الخضر، لذلك لا حق لأي كان أن يزايد على هذه الجماهير أو حتى أن يستكثر عليها ما تحظى به عالميا من حظوة ومن إعجاب.
ومفتون أنا بالمباراة التي صممها نسور الرجاء في توقيت حاسم، وفي مناسبة تاريخية، ليحققوا ذاك الفوز الهلامي على فيتا كلوب، فوز بثلاثية، ما كان ليتحقق أمام فريق عنيد مثل فيتا كلوب، لو لم يقترن بأداء جماعي فيه الكثير من الإعجاز، إلى درجة أن الرجاء برأيي المتواضع، نسج على أرضية مركب محمد الخامس خيوط سيمفونية كروية ينذر أن نجد قبيلا لها في ريبيرطوار الرجاء في السنوات الأخيرة.
وأستشهد في ذلك، بما تقوله الأرقام والإحصائيات الجماعية قبل الفردية، فالرجاء صنع ما لا يقل عن عشر فرص سانحة للتسجيل، استثمر على نحو جيد ثلاثا منها، وصاغ ما لا يقل عن ثلاثين هجمة منظمة، وفاقت نسبة امتلاكه للكرة السبعين بالمائة في كثير من أزمنة المباراة، ونجح في اختراق دفاعات فيتا كلوب بأكثر من جملة تكتيكية مهيكلة، بل إن لاعبيه أظهروا إلى أي حد كانوا مستمتعين على الرغم من قوة الضغط النفسي الذي يصاحب سجالات كروية من هذه الطينة، بدليل أنهم أبدعوا جملا فنية لا يأتي بها إلا الراسخون في صناعة الخوارق الكروية، ولنا في الطريقة التي سجل بها الهدف الأول أكبر دليل.
طبعا لكي يبصم الرجاء على مباراة كاملة الدسم بل وكاملة الأوصاف، إلى درجة أنها ستصبح بعد اليوم، مرجعا في تحديد قدرة النسور على الخلق والتخيل، كان لابد من وجود محفزات عديدة، ففوق أن النهائي نفسه يلهم ويحفز ويضع اللاعبين بمحاداة كتابة التاريخ، فإن ما شاهدته من الرجاء في ذاك اليوم، يدل على أن عملا كبيرا أنجز على مستويات كثيرة على المستوى النفسي، حيث أشعرنا اللاعبون أنهم تحرروا بالكامل من مترسبات مرحلة رمادية وحزينة في تاريخ الفريق، ومن دون شك كانت هناك خطابات مصممة بدقة، تحفز وتستنفر ولا تهيج وتستعدي، ما قدم للاعبين بطانة نفسية مكنتهم من تحويل الضغط النفسي الذي يصاحب في العادة النهايات، إلى قوة دفع إيجابية.
وهل كان بمقدور لاعبي الرجاء أن يصمموا مباراة بتلك الحمولات التكتيكية الرائعة، بالتحكم في الإيقاع وبالسيطرة على أغلب فترات المباراة وأيضا بالضغط العالي والخانق في زمن كبير من عمر المباراة، من دون أن يكون لهم مخزون بدني قوي، ساعدهم بالفعل على صياغة الجمل التكتيكية الصعبة وعلى تحمل هيجان الخصم وعلى تسيير دفة المباراة من بدايتها لنهايتها.
وما كان للرجاء أن يبدع في ترويض خصم شرس وعنيد ويملك قدرة على تعذيب المنافسين بقيمة فيتا كلوب، بالتوفر فقط على شحن معنوي إيجابي وعلى مخزون بدني كبير فقط، لقد كانت هناك حاجة لمنظومة تكتيكية متسلحة بكل أدوات كرة القدم الحديثة، لكي يكون ممكنا قهر هذا الفيتا الشرس، وهنا لابد من أن أجدد الإعجاب بالملكات التي يتوفر عليها الربان التقني كارلوس غاريدو، فقد وضع لاعبي الرجاء في بحبوحة من اللعب، مكنتهم بكل المعطيات والمفاتيح التي مدهم بها مدربهم، من سبر أغوار فيتا والنفاذ من كل الثقوب التي تشكو منها منظومته التكتيكية لجني الثمار.
ولعل المباراة التي أهدانا إياها الرجاء في ذهاب نهائي كأس الكاف، والتي نتطلع إلى مثيل لها الأحد القادم بالكونغو الديموقراطية، برغم ما ستكون عليه الأجواء هناك من احتقان وغليان، وبرغم ما سيصاحبها من ظروف مناخية ورياضية مؤثرة، لعل تلك المباراة تقنعنا جميعا بما يمكن أن تبلغه كرة القدم الوطنية من مستويات رفيعة، لعلها تزيدنا اقتناعا بممكناتنا الوطنية، فننخرط بلا هوادة في العمل في العمق، من خلال تكوين وتأطير علميين وأكاديميين، ولا لتفعيل العاجل لأكاديميات الأندية.
رجاؤنا كبير في أن يعود لنا الأولاد بالكأس، لتتواصل الأعياد ولنربط حاضر الوطن مع ماضيه الحافل بالأمجاد..

 

تنبيه هام

تؤكد «المنتخب» أنها تمنع منعا باتا استنساخ أو نقل أو نشر مواضيع أو صور منقولة من نسختها الورقية أو من موقعها الإلكتروني سواء بشكل كلي أو جزئي، أو ترجمتها إلى لغات أخرى بهدف نقلها إلى الجمهور عبر أي وسيلة من وسائل النشر الإلكترونية أو الورقية… وكل مخالف لذلك سيعرض نفسه للمتابعة أمام القضاء وفق القوانين الجاري بها العمل.

ADVERTISEMENTS
مواضيع ذات صلة
ADVERTISEMENTS