الكرة في مستنقع التماسيح

لا أرى في ما أسماه رئيس الجامعة فوزي لقجع بـ «التجاذبات السياسية»، مناسبة للردح وللتلاسن وكرة القدم المغربية تصاقر على أكثر من واجهة لتسل شعرات كثيرة من عجين المشاكل، ولتدبر ما هو مقيد لها من فترات عصيبة إن داخليا لتقوية وتحصين المشهد الكروي وبخاصة ما إرتبط منه بالإنتقال الإحترافي وإن خارجيا للرد على عقوبات إفريقية رياضية ومالية جالبة لضرر كبير.
لا أجد بالمطلق في الذي نطق به السيد بنكيران رئيس الحكومة في تجمع حزبي من كلام وجه للوداد البيضاوي عن سبق تحريض وترصد، مدعاة لهذه الرجة التي أحدثها رؤساء أندية بعينها والتي جعلت رئيس الجامعة يذهب إلى القول في ندوته الصحفية «المسلوقة» أن الأندية كانت في طريقها لمقاطعة البطولة الوطنية إحتجاجا على إساءة لفظية صدرت في حق الوداد، وكان من الممكن الإعتذار عنها بدل تحويلها إلى جمرة سياسية خبيثة تشعل النار في المشهد الكروي الوطني وتصيبه بالسكتة القلبية.
في جلباب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية صدر عبد الإله بنكيران جملته الملتهبة التي قال من خلالها أنه لا يفهم كيف حل مشكل إداري داخل الوداد باعتماد أسلوب البلطجة، ولأنه لا يجب عزل السيد بنكيران عن وظيفة وطنية يمارسها كقائد فعلي للحكومة وتمنحه صفة «رجل دولة»، فإن ما تلفظ به رئيس الحكومة في تجمع حزبي كان زلة لسان في المبنى وفي العمق، لا يهم إن كان يوجه رسالة مشفرة لحزب الأصالة والمعاصرة الذي نقف جميعا على ما يوجد بينه وبين حزب العدالة والتنمية من حرب سياسية وإعلامية مستعرة ولا يهم إن كان قد قرأ جيدا تبعات هذا الذي قاله واستهدف به ناديا يحمل كل صفات العراقة.
زلة لسان كان بالإمكان إسقاطها بالكامل عند الإعتذار عنها، فلماذا كان الركوب عليها بهذا الشكل؟ لماذا ينفخ فيها لتتحول في هذه الظرفية بالذات إلى جمرة تحت الرماد تشعل النار في بيت كرة القدم؟ هل كان من الضروري أن نصل في رفضنا القاطع للردح السياسي في المشهد الكروي إلى التهديد بالإنسحاب من البطولة الوطنية؟ وهل كان مجازا لمن حملوا بطرق نعرفها ولا نتفق على كثير منها لرئاسة الأندية الوطنية على اختلاف هوياتها التاريخية وقواعدها الجماهيرية، إشهار هذا السلاح الفتاك الذي يهدد الكرة الوطنية بالدمار الشامل؟
كثيرا ما عرضت في مقاربات نقدية لواقع كرة القدم والرياضة الوطنية بشكل عام إلى ما يوجد من تداخل بين ما هو سياسي وما هو رياضي، تداخل لا يجعلنا بلدا مستثنى في المسرح الكروي العالمي، ولكنه يميزنا عن غيرنا من الدول بحسب ما لنا من تقاليد ومن إرث رياضي، فكرة القدم الوطنية ما إنفصلت يوما عن السياسة وما تنكرت يوما للساسة وللسياسيين وما سمحت أيضا للسياسة بأن ترميها في المستنقع لتكون مسرحا للتجاذبات وللتصفيات السياسوية، أي أن كرة القدم الوطنية جامعة كانت أم أندية تهيأت لها كل ظروف الحصانة الممكنة لكي لا تصاب يوما في إستقلاليتها، في كبريائها وفي هويتها بما يتم أحيانا تصديره من الذين يمتهنون السياسة بقصد الإساءة وضرب القيم.
لذلك لا أوافق على كثير من الزوايا التي يعالج من خلالها «سوء الفهم» أو «زلة اللسان» اللذين صدرتهما للرأي العام جملة عبد الإله بنكيران وقد قالها وهو في جلباب الأمين العام لحزبه، يصفي حسابات سياسية مع من يعرفهم حق المعرفة، فما كان ضروريا أن نخلط المفاهيم وأن نتجاوز الحدود في رسم الخلاف، أن نتحدث جزافا عن أن الأمر الذي لا يمثل حكم قيمة فيه إختراق للمشهد الكروي من طرف ساسة يفترض أن يبقوا على حياد، أن الرد العنيف عليه لن يكون إلا بالتهديد بالإنسحاب من البطولة، وأن من يفعل هذا إنما يجر كرة القدم الوطنية لمخافر الفيفا التي تحظر في العادة تدخل السياسة في تدبير الهيئات الرياضية.
لا تستطيع كرة القدم ولا الرياضة الوطنية أن تبقيا في منأى عن السياسة وأبدا لم يكونا يوما في منأى عن السياسة، صحيح أن إشارات المنع والحظر المنتصبة دوليا تحرم كل تدخل للسياسة في تشكيل الهيئات الرياضية وفي تحجيم مساحات الإستقلالية وفي الإنتفاع من جماهيرتها بطرق ملتوية وغير مشروعة، ولكن ليس هناك تشريع رياضي دولي واحد يفصل الرياضة عن محيطها السياسي والإقتصادي والإجتماعي، فكما أن كرة القدم على وجه الخصوص بحاجة إلى سياسة واقتصاد يمنحانها البنيات التحتية والإمكانات المادية، فإنها تحتاج إلى ما يضمن سلامة الإنفاق وإلى ما يضمن إقران المسؤولية بالمحاسبة وإلى ما يساعد على جودة الحكامة وديموقراطية التسيير، بخاصة وأن كرة القدم تسير في الغالب بأموال عمومية.
مستعدون لكي نفتح نقاشا وطنيا هادئا، نعيد فيه رسم الحدود وتنظيم العلاقة بين ما هو سياسي وما هو رياضي، لتكون علاقة تجلب المنفعة للوطن، علاقة تكامل لا تصادم، مستعدون جميعا لأن نحمي كرة القدم من كل إستغلال سيء يضرب في العمق إستقلالية مؤسساتها أكانت جامعة أم أندية، ولا استعداد لنا على الإطلاق لنسمح بجر كرة القدم إلى هذه المستنقعات التي تسكنها التماسيح.