قطعا، ما كان يجب أن نقلب دفاتر التاريخ، ونسرد على أنفسنا ما تنطق به المواجهات التاريخية بين المغرب ومالاوي، لكي نقول بأن تجاوز حاجز الثمن لن يرهق الأسود، فقد كان هناك أقوى بكثير من هذه الأرقام الموهمة التي يصدرها التاريخ، الظهور اللافت لهذا المنتخب في دور المجموعات، فكيف ننسى أنه صعد لأول مرة في ثالث مشاركة له بالكان، للدور ثمن النهائي، ثالثا لمجموعة حصد فيها أربع نقاط ووقف فيها الند للند أمام أسود التيرانغا.
لذلك أدرك وحيد خليلودزيتش بأن إطفاء شعلة ملاوي المتوهجة، يحتاج إلى منظومة لعب لا تبقي هامشا ولو صغيرا للركاكة أو الإبتذال، وتمنح للفريق الوطني فضاءات رحبة لكي يبرز مهاراته الجماعية.
منظومة تكتيكية تبرز منطق التفاوتات بين المغرب ومالاوي على مستوى الفرديات والبنية الجماعية للأداء، دليلها الوحيد هو ألا يكون وحيد عنيدا في تثبيث الشاكلة والتشكيلة. وهو ما كان، والناخب الوطني يعود إلى النواة الصلبة التي اعتمدها في مشوار تصفيات كأس العالم، مع متغيرين إثنين، أولهما الإعتماد على الثنائية الهجومية (النصيري والكعبي)، وثانيهما استحضار التحليق العالي لسفيان بوفال الذي جاء إلى هذه الكأس الإفريقية ليظهر لنا نسخته الجديدة، نضج وثبات على الأداء وتقليص لهامش المجازفة..
كنا بالفعل أمام تشكيلة ملهمة وأمام منظومة تكتيكية متطابقة مع المجموعة ومع السياقات، وبرغم أن الهدف الذكي والرائع للمالاويين، أجج شعلتهم وأنبأنا للأسف بصور حزينة من الماضي القريب، إلا أن الأسود تفننوا في تصميم ردة الفعل التي ستجعل من هذه المباراة هي الأروع لهم منذ مجيء خليلودزيتش.
أمام منتخب تقدم بهدف وآمن بشكل عقلاني أن فرصته ستكون من المرتدات الخاطفة، بل إنه من منطق المقارنات رأى أن خياره التكتيكي الأوحد هو اللعب بطريقة الحافلة المركونة في الدفاع والحاجبة للرؤية، كان على الفريق الوطني أن يخرج "اللعب الكبير" وأن يقدم المباراة التي لم نر لها مثيلا من قبل، مباراة رأيناها في أحلامنا وتمنينا أن تصبح حقيقة، وقد أصبحت كذلك..
شوط كامل بطوله وعرضه، كان عبارة عن زئير قوي يملأ صداه وجبروته كل الفضاءات، وحتى قبل أن يقضم الأسد النصيري فريسته الأولى في الوقت بدل الضائع، كانت هناك فرص تضيع، حارس يبرع في صد الكرات، قوائم مرمى أصبحت كالسحب الحاجبة لضوء الشمس، لقد كان الفريق الوطني وقتذاك يلعب ضد خصم غير مالاوي، خصم أشد ضراوة هو الحظ، آه لو كان الحظ رجلا لقتلته!!
كان أجمل ما فعلناه في شوط المباراة الأول، أننا بهيجاننا الهجومي أدركنا هدف التعادل، وأكثر منه زرعنا الرعب في المنافس وقد بدأت شعلته تخفت بسبب ما هاج من رياح، كان منتخب مالاوي بما فعل من انكماش ومن انقباض ومن تركيز على العمل الدفاعي، قد استنزف الكثير مما في مخزونه البدني، لذلك كان تسجيلنا لهدف الفوز والتأهل قبل صافرة النهاية، مسألة وقت ليس إلا، ولأن شقائق النعمان تولد عادة من العتمة، فإن الفنان حكيمي سيطلع بقبس من نور، بهدف ولا أروع، بخاتمة ولا أجمل، لمباراة تخلص معها الفريق الوطني من هواجس أول أدوار خروج المغلوب، وتقدم خطوة على طريق تحقيق الحلم، وهو مقتنع على غرار مدربه وحيد أن العودة للأصل أصل، فما أحلى الرجوع إلى التوابث.