لم تكد تهدأ الضجة التي أحدتثها فوضى فريق الفيصلي الأردني مؤخرا، عقب خسارته لنهائي البطولة العربية بالقاهرة أمام الترجي التونسي، حيث إعتدى اللاعبون والإداريون على حكم المباراة، وكسرت الجماهير مقاعد مدرجات الملعب، ورمت رجال الأمن بالحجارة وقارورات المياه.. وما رافق ذلك من هرج ومرج.. حتى أعلن الأمير تركي بن خالد بن فيصل آل سعود رئيس الإتحاد العربي لكرة القدم على أن المغرب سيحتضن النسخة القادمة من البطولة في شهر يوليو من العام المقبل 2018.
ما حدث في هذه البطولة التي إحتضنتها مصر من أحداث مؤسفة، وما اشتكت منه عدة أندية وفي مقدمتها الفتح الرباطي من تعامل سيئ، ومن تحامل بغيض، ومن ظلم تحكيمي جائر.. يطرح أكثر من سؤال حول مدى جدوى تنظيم مثل هذه البطولات التي غالبا ما يكون لها وجهان: وجه باطني ووجه مكشوف!!
كل بطولة عربية تتحدث عند إفتتاحها عن القيم الرياضية والأخلاقية، وعن المثل العليا.. في حين أن ممارسة المشاركين فيها تكون بشعة ورديئة وغارقة في القدارة!!
هل نحن كعرب في حاجة فعلا إلى بطولة واهمة وفضفاضة، لا تعكس سوى حقيقة الواقع العربي المرير؟ هل نحن بحاجة إلى بطولة بلا كيان وبلا هوية عجزت أن تجد لها موطئ قدم في الوجدان العربي، حتى أنها غيرت إسمها خمس مرات منذ إقامة أول نسخة لها عام 1980؟
كل البطولات العربية بلا طعم وبلا لون..
كل البطولات العربية ماتت قهرا قبل أن تولد.. وكاذب من يدعي العكس.. بل لم تستطع أية بطولة عربية على مر التاريخ أن تحتفظ لها بذكريات جميلة، أو أن يتذكرها أحد.. لذلك تحولت كل أحداثها إلى أكوام من الخردة ربما يخجل أن يحتفظ بها أرشيف التاريخ الرياضي!!
كل البطولات العربية السابقة كانت ثقيلة الدم.. وغير مهضومة.. ولم يكن لها وجه بشوش.. كل ما فعلته البطولات الماضية رغم ما أظهرته من ود ولباقة ومجاملات، أنها عكست وتعكس الزمن الرديء والتعيس الذي تعيشه أقطارنا فيما بينها والمليء بالعُقَد والحِقد والشتيمة والمكائد!!
كل البطولات العربية تذكرنا بالنعرات القبلية والتباغض.. وتستحضر فينا الحروب الجاهلية الطاحنة من البسوس.. إلى الفجار.. إلى داحس والغبراء!!
وعندما تقرر الأندية العربية قهر مواجعها بعد مشاركة في بطولة عربية ما، واصطدامها بالواقع المر، واكشافها بأن مباريات البطولة مستنفرة للحروب والتطاحن.. تهدد بعدم المشاركة في البطولات المقبلة.. فتقرر التوبة.. لكنها لا تتوب.. فتشارك مجددا!!
إن بطولاتنا العربية ما هي إلا صورة الواقع المنتزعة من صميم المواقف والممارسات في تعامل العرب مع بعضهم البعض.
والسذاجة الكبيرة للشارع العربي تدفعه ليصدق أن هذه البطولات وهي تتغزل في العلاقات العربية العربية، تعكس مدى قوة ومثانة وصلابة هذه العلاقات.. في حين أن كل المؤشرات والوقائع والدلائل تؤكد أن هذه العلاقات العربية فيما بينها علاقة معطلة وموسمية وعابرة.. وتحت الصفر.. وأحيانا ميؤوس منها!!
البطولة العربية الناجحة هي أن تشارك فيها الأندية العربية وتشعر بمشاركة قيمة، ثرية ومفيدة حتى وإن خسرت كل المباريات.. لا أن تشعر بعقدة الذنب.. وتلعن اليوم الذي فكرت فيه بالمشاركة.
حتما لن تنجح أية بطولة عربية ما لم تلغ واقعنا المرير، وتعلن العصيان عن سياسات الكيد والحقد والبغض القائمة بين كثير من أقطارنا وشعوبنا.
لن تنجح أية بطولة عربية ما لم تحكمها ضوابط أخلاقية وعقلانية، وما لم تأخذ حجمها الرياضي والحضاري والإنساني الصحيح.. وأيضا ما لم تتغير الطبائع والتصرفات والسياسات العربية تغييرا جذريا.