5 أجنحة يحلق بها المغرب لكسب رهان العمر
ملف ثقيل قائم على الإبداع روحه الإبتكار..


لا يلتفت المغرب وهو يواصل تعقب حلم تنظيم نهائيات كأس العالم، لما طبع المرات الأربع السابقة التي لم يفلح فيها في كسب ثقة «الفيفا»، من فشل يصيب بالإحباط، إذ يرفع مجددا سقف الطموح عاليا حتى وهو يواجه ملفا أمريكيا شماليا تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
5 أجنحة يحلق بها المغرب واثقا في سماء «الفيفا» لتحقيق حلم يعيش بين الضلوع منذ سنة 1986.
التفاؤل.. ما هو مصدره؟
في أول خروج إعلامي له منذ أن عينه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيسا للجنة ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 2026، بدا مولاي حفيظ العلمي رئيس لجنة ملف المغرب وهو يخاطب الرأي العام الرياضي الوطني والدولي من خلال عشرات الإعلاميين المغاربة والأجانب الذين واكبوا ندوته الصحفية، بدا متفائلا من حظوظ المغرب في كسب رهان تنظيم المونديال بعد أن أخفق في ذلك لأربع مرات سابقة، إختلفت خلالها مسببات الفشل، بين عدم جاهزية البنى التحتية وبين تجاذبات سياسية وإقتصادية يحسمها الولاء للمصالح الكبرى وبين فعل تآمري فضحته زوابع الفضائح التي هزت عرش وإمبراطورية بلاتير.
واستند مولاي حفيظ العلمي في تفاؤله الذي وصفه بالمدروس والمعقلن، على مجموعة معطيات هي ما سيجعل ملف المغرب هذه المرة وازنا وثقيلا، بل وقادرا على كسب الرهان أمام ملف أمريكي شمالي يعتقد الكثيرون أن كفته راجحة.
1ـ  النزاهة والإلتزام
أولى هذه المعطيات ما حققه المغرب من طفرات على كافة الأصعدة، وبخاصة على مستوى البنى التحتية الرياضية منذ سنة 2003، آخر عهد بالمنافسة على تنظيم كأس العالم، فشبكة الملاعب من الجيل الجديد تطورت بشكل متسارع، إذ سيكون بمقدور المغرب أن يتطابق مع دفتر تحملات «الفيفا» الذي يقضى بتوفير ما بين 12 و14 ملعبا للتباري وما بين 90 و100 ملعب للتداريب سواء بالمدن التي ستأوي ملاعبها المباريات أو المدن المتاخمة لها.
ويقترح المغرب الكثير من الآليات التي تجعل بناء الملاعب الكبرى ربحا رياضيا واقتصاديا أكثر منه عبئا على كاهل الدولة، كما كان الحال مع مركبات رياضية كبرى شيدتها دول سبقتنا لتنظيم كأس العالم ووجدت نفسها بعد انقضاء العرس الكروي العالمي أمام معضلة تدبير هذه الملاعب العملاقة، آليات تحقق المنفعة المستدامة والإرث الرياضي الموصول وأيضا التطابق الكامل مع المواصفات البيئية المتوافق عليها دوليا.
2ـ المغرب همزة وصل
ثاني هذه المعطيات، هو أن المغرب يراهن بقوة على موقعه الجغرافي والإستراتيجي الذي يوفر بل يضمن لكأس العالم جاذبية عالية جدا، فوجود المغرب في شمال القارة الإفريقية وعلى بعد 15 كيلومترا بحرا من القارة الأوروبية، يؤهله لأن يجتذب ويستقطب الملايين من عاشقي كرة القدم وبخاصة من القارة الأوروبية التي لها تمثيلية قوية في منافسات المونديال.
وسيكون بمقدور آلاف المناصرين الإقامة بالمغرب أو الإقامة بإحدى الدول الأوروبية المتاخمة (إسبانيا، البرتغال وحتى فرنسا) ما دام أن الوصول للمغرب لمشاهدة المباريات لا يكلف الكثير من الوقت، فبإمكان المتفرجين أن يحضروا صباح يوم المباراة ويغادرون في نفس اليوم.
3ـ  بلد آمن ومستقر
أما ثالث المعطيات فهو أن المغرب بلد آمن ومستقر سياسيا بل ويبرز قابلية عالية لنماء متعدد الأوجه وبمقاربة مستحدثة فيها الكثير من الإبتكار، إذ يعتبر المغرب من الدول التي حققت تقدما كبيرا في مؤشرات التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمحافظة على البيئة، كما أن مشروعه المجتمعي الديموقراطي الذي تعزز بالكثير من المبادرات الخلاقة، يعتبر اليوم من المشاريع الإنسانية التي تشجع المنظمات العالمية على محاكاته، وكمثال على ذلك الطريقة التي فلسف بها المغرب عمقه الإفريقي وهو يؤسس لعاقة منفعة متبادلة قائمة على مبدإ رابح رابح.
4ـ  المونديال وسيلة لا غاية
أما رابع المعطيات فهو قدرة المغرب على الوفاء بتعهداته وفاعليته الكبرى في تنزيل القيم الإنسانية والإقتصادية والإنمائية التي وضعها في طليعة القيم التي عليها أسس مسعاه لتنظيم كأس العالم منذ 32 سنة، عندما قرر لأول المنافسة على تنظيم كأس العالم 1994.
لقد جعل المغرب من مجرد المنافسة على استضافة كأس العالم في المرات الأربع التي فشل فيها في كسب الرهان، حافزا لتحقيق الإرث الرياضي والإقتصادي بدليل التطور الهائل الذي حدث في الثلاثين سنة الأخيرة، ومن يعقد مقارنة بين ما كان المغرب يتوفر عليه من بنيات تحتية رياضية ومن مرافق إيوائية ومطارات وطرق سيارة سنة 1986 عندما قرر الترشح لأول مرة لتنظيم المونديال (إذ كان كل ما إقترحه على الفيفا وقتذاك على مستوى البنيات التحتية الرياضية مجسمات للملاعب)، وبين ما يتوفر عليه اليوم أو ما سيتوفر عليه سنة 2026، سيقف لا محالة على هول الفارق، ما يؤكد أن المغرب لا يطلب كأس العالم لذاته، ترفا أو تلميعا للصورة أو مباهاة، ولكنه يدخل سباق الترشح لتنظيم المونديال ليستفز ملكاته وليسرع وثيرة التنمية وأيضا ليجعل نفسه تحت الضغط.
بهذا المعنى فتنظيم كأس العالم وسيلة وليس غاية في حذ ذاته.
5 ـ دعم العرب والأفارقة
أما خامس هذه المعطيات، فهو أن المغرب يعتمد كثيرا على أشقائه العرب وبخاصة على أشقائه الأفارقة في القبض على حلم تنظيم كأس العالم، ليكون سنة 2026 بمشيئة الله ثاني بلد إفريقي بعد جنوب إفريقيا، وثاني بلد عربي بعد قطر ينظم هذا الحدث الرياضي الكوني.
والمساندة لها بالطبع طابع سيادي بحكم علاقات المغرب المميزة مع عدد من الدول الإفريقية، كما لها طابع مؤسسي بحكم أن الترشيح هو ترشيح إفريقي كما عبرت عن ذلك الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، لذلك فإن المغرب يريد أن يستفيد من المستجد الكبير الذي طرأ على آلية اختيار البلد المستضيف للمونديال، والذي يخول لكل الدول المنضوية تحت لواء «الفيفا» التصويت على البلد المنظم لكأس العالم وهي بعدد يصل إلى 209 دولة، في حال ما إذا أشر مجلس «الفيفا» على ذلك.
الإنتباه للنواقص
نوافق مولاي حفيظ العلمي رئيس لجنة الترشيح، على حجم الثقة وعلى مقدار التفاؤل بقدرة المغرب على كسب رهان تنظيم نسخة كأس العالم 2026، إلا أن ذلك لا يمكن أن يصرفنا عن حقيقة أن ملف المغرب 2026، يواجه الكثير من التحديات الثقيلة، لعل أولها أن المغرب سيكون في مواجهة الثالوث الأمريكي القوي (كندا، المكسيك، الولايات المتحدة الأمريكية) وما يعنيه ذلك من صراع شرس لكسب النقاط والتعاطف ومعارك الكواليس الضارية والتي ستستغل كل عوامل النفوذ من أجل ربح النقاط والأصوات، أما ثانيها فهو مواجهة النقص الموجود على مستوى عدد من المعايير ومنها ما تبرزه مؤشرات حقوق الإنسان من نواقص وجب معالجتها، حتى لا يجري استغلالها من قبل المنافسين لضرب الملف المغربي، أما ثالثها فهو إعلان الإستنفار والتعبئة واليقظة أيضا لمواجهة كثير من الأحكام المسبقة التي تروج على أوسع نطاق، والتي يدعي أصحابها أن  الملف الأمريكي الشمالي يتقدم بمسافات عن الملف المغربي.
مسؤولية الحكومة
إن التفاؤل الذي تحدث عنه مولاي حفيظ العلمي رئيس لجنة الترشيح، يجب أن يتحول إلى شبكة من الأرقام والمعادلات التي يجب الإشتغال عليها، وهو رجل إقتصاد ويعرف معنى تحويل كل المعطيات لأرقام ومؤشرات، للرفع من قيمة الملف المغربي ولتمكينه كما أسلفت من أجنحة قوية ليحلق بكل ثقة في سماء الفيفا لعله يكسب ثقة العالم.
وإذا ما كانت الحكومة ستسخر كامل الممكنات السياسية والديبلوماسية في خدمة الملف بهدف كسب الأصوات، فإنها مسؤولة في هذه المرحلة بالذات عن تحقيق أعلى قدر من السلم الإجتماعي، فقبل أن يحظى ملف المغرب 2026 بثقة الشركاء والأصدقاء والمتعاطفين في قارات العالم الخمس، عليه أن يحظى أولا وقبل كل شيء بإجماع المغاربة أنفسهم.