دعونا مما يرمى من كلام على عواهنه، ومما يليق وصفه بالهرطقات، كلما تعلق الأمر باليد الفعلية التي مدتها الفيفا، للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لإخراجها من السراديب المظلمة، ولتنظيف بيت كرة القدم الإفريقية من موبقات التسيير العشوائي الذي يدمر حلمًا ولا يبني أملًا، في رؤية الكرة الإفريقية تتطلع للعالي.
دعونا من كل التشهير الأهوج، الذي نفته البعض فينا كالسموم، من أن الفيفا جاءت لتمارس الحجر على الكاف، واجعلونا نقرأ بذهن صاف وبفكر لا تشوش عليه الأحكام القبلية، الخطاب الذي توجه به جياني إينفانتينو رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم، إلى العائلة الكروية الإفريقية من منصة الندوة التي اختصت بالبحث والمساءلة والتقييم، عمادين مركزيين، عليهما يقوم بيت الكرة الإفريقية، البنى التحتية وهيكل المسابقات.
عبر مساري المهني الطويل الذي جاوز بقليل الأربعين سنة، كنت راصدًا لمشهد الفيفا، ولما اختص به رؤساء هذا المنتظم الكروي العالمي، كرة القدم الإفريقية، وللأمانة لا يمكن العثور في مسار البرازيلي جواو هافلانج وفي مسار خلفه السويسري جوزيف بلاتير، ما اقترب أو حاكى ما فكر فيه جياني إينفانتينو الرئيس الحالي للفيفا، بل وما عقد العزم على تنفيذه لتسريع وثيرة نمو الكرة الإفريقية داخل مشهدها العالمي.
ما كان يهم هافلانج بدرجة أكبر ومن بعده بلاتير بدرجة أقل، هي الأصوات الإفريقية 54 التي تستطيع أن ترجح الكفة في السباق نحو رئاسة إمبراطورية الفيفا، بل إن جبروت وخيلاء هافلانج، دفعه للقول بكل صفاقة وتبجح، يوم قيل له أن المغرب ينوى الترشح لتنظيم كأس العالم، أن إفريقيا لها أولويات أخرى أكبر من تنظيم كأس العالم، واستعار لذلك مثلًا فرنسيًا ينطوي على كثير من التحقير.
قال جياني إينفانتينو في خطاب يمكن وصفه بالتاريخي، عند افتتاح ندوة البنى التحتية وهيكلة المسابقات التي نظمت بشراكة بين الفيفا والكاف بمركب محمد السادس لكرة القدم، أن الكرة الإفريقية لا توجد في المكانة التي تستحقها، وأن نمط تدبيرها لا يساعدها على تبوإ مركز الصدارة عالميا، وهناك حاجة لأن يتعبأ الكل من أجل تسريع وثيرة نمو وتطور كرة قدم إفريقية تنبأ لها الجوهرة السوداء البرازيلي بيلي، قبل سنوات كثيرة، أن تتوج إحدى منتخباتها بلقب كأس العالم، إلا أن ذلك لم يحصل لوجود معطلات وأعطاب مانعة لأي تطور.
لم يأت إينفانتينو إلى المغرب، الذي يطلق منذ وصول الملغاشي أحمد أحمد لرئاسة الكاف منصات لإحداث ثورة في منظومة الكرة الإفريقية، لم يأت إينفانتينو ليسوق صورة أو لينمق حديثا أو حتى ليدغدغ مشاعرا، ولكنه جاء محملًا برؤية وبمشروع، وهذا ينذر حدوثه في تاريخ علاقة الفيفا بالكاف، فما يعرضه إينفانتينو كخارطة طريق لتغيير المسار وللخروج من النمطية، يؤكد بأنه ممسك بالمفاتيح، مفتاح البنى التحتية التي هي عماد كرة القدم المستوى العالي، ومفتاح التحكيم الذي هو ضمان لتحقيق العدالة، ومفتاح المسابقات التي ترعاها الكاف، والتي يجب أن تكون جالبة للمنفعة الرياضية وجالبة للثروات البشرية ومساعدة على أفضل تسويق لتحقيق إيرادات مالية.
طبعا الأمر لا يحتمل أي حديث عن وجود تبعية أو الوقوع في شرك الوصاية التي تخنق الأنفاس وتضيق الخناق، بالقدر الذي يدفع إلى اعتبار هذا الذي جاء به إينفانتينو، أرضية لبناء استراتيجية شمولية هادفة إلى تطوير كرة القدم الإفريقية من قاعدة إلى قمة هرمها، استراتيجية يرتهن نجاحها أولا بشموليتها وثانيًا بنجاعة طرق تنزيلها وثالثًا وهذا هو الأهم بوجود عنصر التشاركية، بمعنى أن هذه الإستراتيجية التي تمثل لكرة القدم الإفريقية فرصة تاريخية للدخول في عداد المميزين، وبلوغ صدارة المشهد الكروي العالمي، لن يكتب لها النجاح إذا لم تتبناها وتنخرط فيها بالكامل الحكومات الإفريقية.
إستراتيجية لو أحكمنا تنزيلها، فلن يكون مستحيلًا على إفريقيا أن تنظم مرات ومرات كأس العالم، من دون أن يظهر ذلك على أنه صدقة، ولن يكون مستحيلًا على إفريقيا أن تحقق نبوءة الأسطورة بيلي، بأن يتوج أحد منتخباتها بكأس العالم.