ونحن نحسب الأيام الثقيلة التي نمر بها في جحورنا الصحية، وقد تبدلت لدينا العادات..
وبينما تزداد معركتنا مع جائحة كورونا ضراوة، وقد حكم علينا أن نقاتل فيروسًا لا يرى بالعين المجردة، فيروسا لا لون ولا شكل له، بمستويات متفاوتة من الوعي بقوة وخطورة الفتك التي يتوفر عليها.
ونحن نلحظ بحزن، صمت القبور الذي يخيم على مسارح الفرجة الكروية حول العالم، لأحكام صدرت عن الجائحة، ولا تقبل لا استئنافا ولا نقضا، بالإغلاق الفوري وبالشمع الأحمر لكل ملاعب العالم، نستوعب قوة الزلزال الذي يضرب اليوم كرة القدم تحديدا وقد غدت اللعبة التي تستأثر بالجماهيرية،  وتنال بكثير من التبجح حصة الأسد في العائدات المالية التي تحققها الرياضة والتي تقدر بحسب أخر إحصائية ب200 مليار دولار، وهو رقم لا تصله في موازنتها السنوية سوى 25 دولة في العالم.
مع التوقيف الإضطراري لكل الدوريات الوطنية وحتى البطولات القارية، ستتوارى كرة القدم تحت الإكراه إلى الصفوف الخلفية، بعد أن تصدرت المشهد العالمي لسنوات طوال، ومع هذا الإختفاء القسري، المعلن والمبرمج، سنشهد انهيارا في القيم والعائدات  لم نر له مثيلا خلال عقود من الزمن. فالبطولات الأوروبية الخمس التي عدت قبل حلول جائحة كورونا من المؤسسات العملاقة الجالية للأموال من عقود فلكية للبث التلفزي، أصبحت في لحظة كالصروح المهدمة وقد جرفها السيل العرم، خسائر بالملايير ونكبة مالية، الله وحده يعلم كيف يلزم من الوقت للخروج منها.
هل تريدون كشفًا بالأرقام لحجم الخسائر التي ستكبدها جائحة كورونا لكرة القدم العالمية، اتحادات وطنية وروابط احترافية وأندية، بخاصة تلك التي باتت أندية مدرجة في البورصات العالمية؟
سأسوق لكم أمثلة دالة على هذا الزلزال الذي يضرب كرة القدم وهو من 10 درجات على سلم الدمار..
المتوقع أن تكبد جائحة كورونا البطولات الخمس بأوروبا ما مجموعه ثلاثة ملايير دولار، وستكون أقوى الخاسرين، البطولة الإنجليزية التي ستتكبد خسارة تصل إلى 1,250 مليار أورو، تليها الليغا الإسبانية بخسارة مقدرة ب600 مليون أورو والبطولة الإيطالية بخسارة في حدود 450 مليون أورو، فالبطولة الألمانية بخسارة تناهز 400 مليون أورو وأخيرا البطولة الفرنسية بخسارة تناهز 200 مليون أورو.
ولأن التوقف الإضطراري للبطولات، نجم عنه وقف للإمدادات المالية من قبل ذوي الحقوق على مستوى البث التلفزيوني، ومن قبل الرعاة والمستشهرين، فإن المتوقع أيضا أن تنخفض القيمة التسويقية للاعبين، بخاصة أولئك الذين يلعبون للأندية التي تدرج في العادة ضمن قائمة الأندية الأغلى في العالم.
وتشير التوقعات إلى أن القيمة التسويقية للاعبي أشهر أندية العالم، ستتراجع بنسبة 30 بالمائة، أي أنها ستمر من 29 مليار جنيه إسترليني إلى 21 مليون، وسيتصدر الأندية التي ستشهد أكبر انخفاض في القيمة التسويقية للاعبيها، نادي مانشستر سيتي الإنجليزي الذي سيعرف انخفاضًا يصل إلى 412 مليون جنيه إسترليني، بأتي بعده برشلونة بانخفاض يناهز 330 مليون جنيه، فليفربول بانخفاض يقترب من 314 مليون جنيه. 
وبطولتنا الإحترافية لن تحيد عن هذه القاعدة المعممة، فالوقف الإضطراري للمباريات أوقف البث التلفزي وأوقف تلقائيا العائدات المالية الأتية من النقل التلفزي ومن الرعاة، ولو أن البطولة فقدت مع بداية الموسم شريكها التقليدي في قطاع الإتصالات ولم يتم الإستعاضة عنه، إذا بحسبة بسيطة فإن البطولة الإحترافية ستخسر لقاء هذا التوقف، ما لا يصل حتى لعشر ما خسرته إحدى البطولات الخمس الكبرى، لوجود فوارق لا تقبل بأي قياس على مستوى عائدات البث التلفزي.
والمؤكد أن مرحلة ما بعد جائحة كورونا، ستكون حرجة ودقيقة للغاية، صحيح أنها ستعيد رسم الخرائط وستعيد توزيع الأوراق على الطاولة، ولكن ما هو أعمق من هذا كله، أن كورونا بما تخلفه اليوم من خسائر مالية مهولة، ستعيد لكرة القدم عقلها، بعد أن استبد بها جنون الأرقام الفلكية فأوصلت أسعار اللاعبين لمستويات خرافية، هي السبب الأوحد في قوة الرجة التي يحدثها اليوم سقوط كرة القدم.
غدا عندما تنزاح غمة كورونا، سيكون على كرة القدم أن تبدع أنماطا حمائية جديدة تقيها شر الزلازل المالية التي شاهدنا مع كوفيد 19 نمودجا منها.