من دون أن يكون ذلك فعلا عمدا، فقد وضع قرار جواد الزيات بالتنحي عن رئاسة الرجاء وولايته بالكاد وصلت للمنتصف، عائلة النسور الخضر أمام اختبار صعب هو ما تقاس به جدارة المؤسسات الرياضية، حصانتها، والمستوى بلغته مناعتها ضد المؤثرات العابرة والطارئة وما أكثرها.
ما عاد الرجاويون وقرار رحيل جواد الزيات ينزل بصيغة التفعيل الذي لا يقبل لا المساومة ولا الإستجداء ولا حتى التأجيل، يفكرون بالأسباب وبالدوافع، لأن ما شغلهم وشغلنا جميعا، هو كيف سيتصرف الرجاء حيال هذا المستجد الصعب والشائك؟
كان الرجاء أمام خيارين، وهو يفتح السباق نحو خلافة الزيات، إما أن يوجد بين فريق العمل الذي واكب جواد الزيات من يستطيع أن يكمل المسير الصعب ويبدد الظلمة وعسر الطوارئ ويرضى عنه برلمان النسور، وإما أن يختار من مئات الأطر الوازنة التي يحفل به بيت الرجاء من يتحمل مسؤولية القيادة في هذه الظرفية الصعبة والإستثنائية، وبين الخيارين ما كان أحد يتمنى أن يشد مشهد الرئاسة عن القاعدة، وينتج في الظاهر والعلن صراعات مفتعلة تتحول إلى جمرات خبيثة تضرم النار في بيت الرجاء.
ومع ما رافق المساحة الزمنية الممنوحة بنص قانوني لتقديم الترشيحات لتعويض رئيس مستقيل، من تسويق للوهم ونشر للإشاعات وتلميع لصور مخدوشة على أسلاك منصات التواصل الاجتماعي، كان هناك ما يقول أن من سيدخل غرفة القيادة وترضى عنه جماهير الرجاء لابد وأن يكون مبرءا من كل الخلفيات المريضة وخاوي الذمة بل ونقي السريرة، وأن تكون له القدرة على الإقناع وكسب الإجماع، والحال أن خصوصيات المرحلة لم تترك ولو هامشا ضيقا للمستهلكين بالعودة مجددا إلى دائرة الضوء، لذلك ستنتهي المهلة الممنوحة لوضع الترشيحات من دون أن تتقدم ولا لائحة لشغل الفراغ، فكان لزاما أن يعود المكتب المديري الذي قاده جواد الزيات لسنتين كاملتين، للمنصوص عليه في النظام الأساسي للرجاء، والذي يقول أنه إذا شغر مكان الرئيس، فإن من يتولى القيادة نائبه الأول لغاية متم الموسم حيث تكون الدعوة لجمع عام انتخابي، لذلك عرض على المهندس رشيد الأندلسي قيادة الرجاء خلال الموسم الحالي، والرجل لم يبد إزاء ذلك أي رفض أو تأفف، على العكس من ذلك قبل رفع التحدي مدعوما في ذلك من زملائه داخل المكتب المديري ومن برلمان الفريق ومن كافة مناصريه، لنكون بذلك أمام انتقال سلس ومرن ومسؤول للسلطة، ما يؤكد حقيقة ما انتهيت إليه في مقاربتي لمرحلة ما بعد جواد الزيات، من أن الرجاء سيظهر عمقه التاريخي ومعدنه الحقيقي، وأيضا وهذا هو الأهم، صفة المؤسسية التي تليق به كفريق مرجعي ونموذجي.
ولأن خصوصية بل واستثنائية المرحلة التي يعيشها الرجاء، لا تتمثل أساسا في الفراغ الذي يمكن أن يحدثه رحيل الرئيس جواد الزيات وهو الذي نجح لأبعد حد في كسب الرهانين الاقتصادي والرياضي، بل في قتامة الوضع المادي، ذلك أن الرجاء كان يمضي قدما بمقاربة اقتصادية جد متقدمة إلى تقليص المديونية الضخمة للفريق قبل أن تحل جائحة كوفيد 19، لتعيد مؤشر الأزمة المالية إلى المستويات التي كانت عليها قبل سنتين، فما قالته التوقعات الاقتصادية قبل انطلاق موسم 2019ــ2020 أن الرجاء سيتمكن، إن نجح في رهاناته الثلاثة محليا وأفريقيا وعربيا، من تقليص المديونية إلى ما دون الثلث، وبينما كان يسير بنسبة نجاح عالية في تحقيق كل هذه الرهانات، إذ بجائحة كورونا تبخر في الهواء عائدات مالية ناهزت 5 مليارات من السنتيمات، وهي تأتي في العادة من مداخيل المباريات ومن توقع ببلوغ المباراة النهائية لكأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال.
وإلى جانب إبقاء الرجاء في خندق المتوجين، بالسعي لألقاب جديدة، فإن رشيد الأندلسي وبمعيته زملاؤه داخل المكتب المديري سيكون مطالبا بمقاومة شبح الأزمة المادية، وفي ذلك هو محتاج لأن يهندس معابر جديدة ترتفع بالرجاء فوق وضعيته المالية الملغومة والمتفجرة، وتبدع أنماطا جديدة لمقاومة استفحال الأزمة، بخاصة إن تأخرنا في إبادة الجائحة وظلت أبواب مركب محمد الخامس موصدة في وجه الجماهير.
بالطبع، لن يترك شعب الرجاء، رئيسه رشيد الأندلسي يقاتل لوحده من أجل إعطاء إكسير الحياة لمالية الفريق، فتلك الجماهير الحامية لظهر الرجاء قادرة على أن تبدع حلولا لأزمة الغياب عن المدرجات..