أقدر ما عليه مناصرو الرجاء الرياضي البيضاوي من حزن بعد خسارة الديربي أمام الغريم الوداد، وأكثر منه أقدر أن يذهب الحزن بهم إلى حد المطالبة برحيل جمال السلامي عن العارضة التقنية، فتحت تأثير الغضب، يكون كي الجرح وتنظيفه، بقطع دابر من نظنه قد تسبب في هذا الجرح أمرا محببا، ولا يسأل في خسارة الرجاء للديربي شخص آخر غير جمال السلامي، فهو المسؤول الأول أمام الضمير الجماعي للرجاويين عن السقطة إياها أمام الغريم الوداد، فإن أدانته الخسارة قراطا، فإن تدني الأداء الجماعي للرجاء في الآونة الأخيرة يدينه أقراطا. مقابل هذا الغضب الساطع للمناصرين، وقف المكتب المسير للرجاء بأعضائه الفاعلين وحتى بحكمائه أمام وضعية دقيقة تحتاج إلى مقاربة حكيمة، تستبق وتستقرئ وتتوقع قبل أن تضرب الحديد وهو ساخن، لتقرر بشأن هذا الوضع الشاذ، ولتجد مخرجا سريعا من نفق الأزمة، ولتصنع ما أسميه بالقرار الصعب والمؤلم. وكما حضرت الفراسة ذات يوم وقد بات الإنفصال عن الفرنسي كارطيرون أمرا حتميا خلال العام الماضي، لوجود معطلات فنية وتواصلية، وجرى انتداب جمال السلامي، لتقول الوقائع وما تلا تنصيبه بأنه كان فعلا رجل المرحلة، فإن هذه الفراسة هي التي حضرت اليوم في قراءة المشهد التقني للرجاء، ورجال القرار داخل الرجاء يجزمون بجدوى الإبقاء على السلامي اعتبارا لما رأوه إكراهات لا يمكن أبدا المجازفة باتخاذ قرارات قد يندم الرجاويون. كثيرة هي المرات التي قلت فيها وأنا أصطدم بظاهرة تغيير المدربين في بطولتنا الوطنية، أن تعريفنا للنتيجة الرياضية مختلف تماما عنه بأوروبا، فهناك لا يحكم على مدرب من خلال نتائج أربع أو حتى خمس مباريات، ولا حاجة لأن أقيم دليلا على ذلك فالأمثلة كثيرة جدا، وهناك أيضا يأتون لتحليل الوضعيات الرياضية المتأزمة والصعبة بدم بارد وبعقل صاف وبحكمة عالية لا تبقي مجالا للتشنج، فلا يصنع قرار مفصلي بسبب هزيمة عرضية أو بسبب مرحلة فراغ دخلها الفريق كرها، ولكن بسبب قناعة كاملة بأن المدرب لم يعد رجل المرحلة، وبأن لا طاقة إبداعية أصبحت له لصناعة الحلول السحرية. وبالعودة لجمال السلامي، لابد وأن نسأل أنفسنا، على أي شيء سنرتكز في تقييم عمل الرجل؟ على نتائجه في سيرورتها؟ أم على أداء فريقه؟ أم على مؤثرات خارجية أجدها مبرزة بعناوين كبيرة في خطاب التيئيس من جدوى الإبقاء على السلامي مدربا للرجاء؟ لا خلاف على أن السلامي أخطأ في تدبير الديربي الأخير أمام الوداد، ولا جدال في أن الخسارة بالهدفين يتحمل جمال كامل مسؤوليتها، ولا خلاف أيضا على أنه رتب في ذهنه لكثير من السيناريوهات إلا السيناريو الذي بدأت به المباراة وقد أبدعه التونسي فوزي البنزرتي بمكره ودهائه، أن يتأخر بهدفين من لدغتين مستنسختين، إلا أن الأخذ برأس السلامي لمجرد أنه خسر الديربي يبدو تجنيا في حق الرجاء أكثر منه تجنيا في حق السلامي، لأن ما تحقق حتى الآن للرجاء مع جمال يشفع له بالبقاء إلى أن يكتمل لدينا الإقتناع بانتهاء صلاحيته التقنية، وما ينتظر الرجاء من استحقاقات غاية في الأهمية لا يسمح بأي خطإ على مستوى ضبط المسؤوليات التقنية، كما لا يسمح بأي تهور في إحلال بديل لجمال في حال الإنفصال عنه. مؤكد أن وضعية الربان التقني هي واحدة من الإختبارات الصعبة التي يواجهها أي مكتب مسير لفريق بمرجعية الرجاء، اختبار للجرأة في اتخاذ القرار وتحمل كل تبعاته، واختبار للشجاعة في مواجهة جبهة الرفض، وأيضا اختبار للنجاعة في صنع البدائل، وقد جاء الرد سريعا، كما توقعته تماما بأن قرر المكتب المديري للرجاء خضوعا لتحديات المرحلة وقوة الرهانات القادمة الإبقاء على جمال السلامي مدربا، وفي ذلك يكون الرجاء قد صدر لكل الأندية الوطنية كيف يكون التدبير الحكيم والرزين لوضعية رياضية معقدة كالتي تسببت فيها خسارة النسور الخضر للديربي 129.