إن أسعدنا الفوز الذي حققه أسود الأطلس على صقور الجديان، في افتتاح المسار الإقصائي الشائك الذي نأمل جميعا أن يوصلنا إلى التأهل السادس من نوعه لنهائيات كأس العالم، فحتما لم يرضنا الأداء الجماعي للفريق الوطني، فعوض أن تبدد مباراة السودان بعضا من المخاوف والهواجس التي تحيط بمنظومة اللعب، فإنها للأسف زادت من تلك المخاوف، وعلى مسرح العرض برزت نتوءات تكتيكية جديدة تنبئ بأن الناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش يجد صعوبة كبيرة في بلورة رؤية فنية وتكتيكية، نتوحد حولها ونثق بقدرتها على استكشاف المجهول..
لم يرضنا الأداء؟ ذاك أمر ليس بجديد، لطالما أن آخر الإختبارات الرسمية والودية لم تأتنا بما يقول أن منظومة اللعب خرجت أخيرا من رمادها، أو أنها عثرت على بنيتها المفقودة..
وكيف لهذا الأداء الجماعي أن يتطور إلى الأفضل، وأن يزيل مع على صفحته من خدوش، والسيد وحيد لم ينته بعد من ورش التجريب، ولم يكفه ما أخذنا إليه في رحلة المجهول، ولم يقتنع بعد كل هذا الوقت الذي قضاه على رأس العارضة التقنية للفريق الوطني، من أنه آن الأوان لكي يستقر على تشكيل ثابت، وأن تكون له نواة صلبة، وأن يعفينا جميعا من هذا الصداع المزمن الذي تحدثه فرقعاته التكتيكية عند كل موعد رسمي أو ودي.
وكما لم يفعل وحيد في أي مرة، رمتنا لائحته الجديدة ببعض الحمم المحيرة، أسماء سقطت وأخرى حضرت، وعلة قلة التنافسية وتضارب المعايير، لا تتركان مجالا لتبرئة الناخب الوطني من هلوساته، لكن ما سيحدث قبل انطلاق المباراة أمام السودان بإعلان التشكيل الذي قرر الناخب الوطني الدفع به، سيصيبنا الهلع مما شاهدنا، كيف يجرؤ وحيد على وضع هذا التشكيل بكل هذه المتغيرات البشرية والفريق الوطني يخوض مباراة من 6 نزالات قوية ومصيرية ستحدد بشكل كبير مستقبله من مونديال قطر؟
قرر وحيد بسبب عدم اكتمال جاهزية السقاء سفيان أمرابط، أن يعهد بدور اللاعب الإسترجاعي لأيمن برقوق برغم ما يبديه هذا الأخير من محدودية، فيما اكتمل هرم الوسط 
بعادل تاعرابت وبإلياس شاعر الذي سيتقلد مهمة صانع الألعاب في شبه إطلالة رسمية. إلا أن المفاجأة ستأتي من ترسيم كل من زكرياء أبوخلال وريان مايي في جبهة الهجوم إلى جانب يوسف النصيري. تعديلات جوهرية كان من الطبيعي ومن المتوقع أن تحدث نوعا من الإختناق عند تنشيط اللعب بسبب أن اللاعبين، بخاصة الذين ينشطون الجانب الهجومي، لا يرتبطون بنوع من الحميمية الفنية التي تخلق في العادة ما نسميه بالأوتومانيزمات المكتسبة.
ولم يكف وحيد ما أحدثه من تغييرات على مستوى التشكيل البشري، إذ سيضيف عليه تغييرات على مستوى التوظيف، لنكتشف فيما بعد أن يوسف النصيري الذي تعود اللعب كرأس حربة، ولم نألفه في مركز غير هذا مع الفريق الوطني ومع ناديه اشبيلية، سينحرف إلى الجهة اليمنى، تاركا مكانه لريان مايي، وأيًا كان هذا الذي فكر فيه وحيد، فإن يوسف النصيري سيلعب لأول مرة تحت مستوياته الإعتيادية، وكان من سوء حظه أيضا أن من وضع في الرواق الدفاعي الأيسر أدم ماسينا الذي يؤكد مباراة بعد أخرى أنه أبعد ما يكون عن تمثل الأدوار الهجومية للظهير الحديث.
وكما أن يوسف النصيري دخل جلبابا لا يتسع لخاماته الفنية ما جعله حينا ضيقا عليه وحينا آخر فضفاضا عليه، فإن أشرف حكيمي لن يحصل على القالب التكتيكي الذي يساعده على بلورة مهاراته، لذلك كانت مباراة السودان من أسوأ ما شاهدناه له في الآونة الأخيرة للظهير الطائر الذي يوصف اليوم بلغة الإحصائيات من أجود أظهرة العالم.
ونتيجة لهذا التضارب في التوظيف والمغالاة في تغيير التشكيل، سيضعف بشكل كبير التنشيط الهجومي. صحيح أن الفريق الوطني فاز بهدفين نظيفين وقبض على ثلاث نقاط غاية في الأهمية وتصدر مجموعته مستفيدا من تعادل الغينيتين، إلا أنه بمنظومة لعب تتطابق مع الممكنات الفردية وتعبر جيدا عن نفسها، كان الفوز سيكون مريحا على المستوى الرقمي، وكان الفوز أيضا سيقترن بالأداء الجيد، وكنا سنقول بالتأكيد كلاما غير الكلام الذي نقوله اليوم، كلام محمول على الوجع وعلى الخوف من المجهول..