ما الجدوى من العودة لقصة الخلاف العميق بين وحيد خاليلودزيتش وحكيم زياش الهداف الحالي لأسود الأطلس، في هذا التوقيت بالذات، والفريق الوطني مقبل على مواجهة شائكة لمنتخب غينيا بيساو ذهابا وإيابا برسم الجولتين الثالثة والرابعة لتصفيات كاس العالم؟
ما الغاية من أن نفرد صفحتين كاملتين في عدد الإثنين من "المنتخب" الورقية، لهذا الصدع الكبير الذي عكر على المغاربة صفو الرحلة بثقة عبر مسالك التصفيات الموحشة للمونديال؟ هل لتقليب المواجع؟ هل لفرض نوع من الضغط على وحيد الصارم والمتشدد؟ أم يا تراه صوت العقل والضمير الذي يرتفع عاليا ليقول إن ما يخدم مصلحة الفريق الوطني لا يقبل بالمكابرة ولا بالمزايدة ولا حتى بشخصنة الخلاف؟
لنتفق من البداية على أن الفريق الوطني برمزيته القوية، يعلو عمن عداه من الشخوص، أكانوا تقنيين أو لاعبين، وهذا العلو يسحق في العادة كل النتوءات الشخصية العابرة لعرين أسود الأطلس والتي شاهدنا منها في حقب زمنية سابقة نماذج كثيرة، بل إنه يجبر كل من هم خدام لهذا الفريق الوطني، من باب التشرف بأداء الواجب الوطني على تليين المواقف والترفع عن الصغائر.
وسنتفق أيضا على أن وحيد خاليلودزيتش وقد وكل أمانة ومسؤولية قيادة العارضة التقنية للفريق الوطني، له مبادئه التقنية وقيمه الإنسانية التي لا يمكن أن يتنازل عنها، وله هامش حرية مقدر لاختياراته البشرية والتكتيكية، وقطعا ليس بيننا من يضعه في ذلك تحت الإكراه، حتى لو علمنا بالحدس وبالسليقة أن ناخبين وطنيين تطرفوا في الإنتصار لكبريائهم والفريق الوطني هو من دفع ثمن ذلك غاليا.
لذلك، لا يأتي هذا الملف الذي أنجزه الزميل منعم بلمقدم باحترام تام للخط التحريري الذي سارت عليه «المنتخب» لثلاثة عقود من الزمن، مؤثرة ومتأثرة في مسارات الفريق الوطني، ليكره وحيد خاليلودزيتش على تليين موقفه من حكيم زياش أو حتى ليفرضه عليه فرض عين، حتى لو أجازت لنا مصلحة الفريق الوطني ذلك، بل إن ما نرمي إليه من كل هذا هو أن نكون كما هي عادتنا دائما، جزء من الحل لا طرفا في الأزمة، أن نساهم في حلحلة الإشكال لا أن نقتات منه بمنتهى السادية، كما يفعل للأسف بعض الذين يندسون في المشهد الإعلامي بلا أدنى رقابة ذاتية وبلا أدنى وازع مهني وأخلاقي.
طبعا، لن نلح على وحيد ليكشف عن الجزء الذي ظل مسكوتا عنه في حقيقة الخلاف، ولن نطاوع زياش في إصراره على جبر الخاطر، لأن الغاية هي أن تكون هناك مبادرة لإصلاح ذات البين، بين مدرب يحلم بتأهيل الأسود للمونديال ليكون ذلك، إنجازا له في مساره المهني وبين لاعب يطمح كغيره من الأسود الذين حضروا مونديال روسيا لأن يكون هناك تأهل لمونديال قطر، للكثير من مغرياته الرياضية، وهذه المبادرة لا شك أن رئيس الجامعة قد أقدم عليها بحكمته وتبصره، فلا هو يستطيع أن يتجاوز عن لاعب يعتقد أنه يمثل قيمة فنية كبيرة للفريق الوطني، ولا هو يقدر على وضع الناخب الوطني تحت الإملاءات والتضييق عليه.
ولو أن وحيد خاليلودزيتش خرج علينا جازما ليقول أن حكيم زياش لا يمثل لأسلوب وفلسفة لعبه وحتى لمنظوره التكتيكي أي قيمة، لوقفنا عند حد التعجب والدهشة، وأبدا لن نتعداه إلى إذلال الناخب الوطني، وقد فعلنا ذلك في حقب زمنية عديدة، عندما أراد ناخبون وطنيون إيهامنا بأن لاعبين هم اليوم في مقام أساطير وأيقونات، لا يتطابقون مع فلسفتهم التكتيكية، وقد مثل ذلك وقتها فضيحة لا يمكن السكوت عنها، لذلك أن يكون هذا الذي حدث من صدع عنيف، سببه سلوكي وانضباطي وإنساني أيضا، فهذا معناه أن إصلاح ذات البين أمر ممكن، بل وفرض عين في توقيت حساس يحتاج فيه الفريق الوطني إلى كل قواه الحية وإلى كل مبدعيه ليتمكن من إنجاح العبور الأول على مستوى تصفيات المونديال.
لا نملك ما يقول بإمكانية رأب الصدع بين وحيد خاليلودزيتش وحكيم زياش، اليوم قبل الغد، ولو أن هذا ما نتمناه فعلا من أجل مصلحة منتخب لا يعلو عليه شيء آخر، إلا أننا على ثقة من أن تجاوز الخلاف على شدة تأثيره على الفريق الوطني، حتى لو قال وحيد عكس ذلك، سيضع الأسود في موقف قوة، وسيكفينا شر إعصار يأتي من محيطنا نحن وليس من منافسينا..
هذه باختصار شديد غايتنا من هذا الملف الحصري، وتلك هي دوافعنا لإعادة تحريك المياه الراكدة، وشكرا لمن أرهف السمع وصدق النوايا.