كنا نتقدم متوجسين إلى مواجهة أسود الأطلس لثعالب غينيا بيساو، في ثالث جولات تصفيات كاس العالم، ليس فقط من فرط ما عذبنا فريقنا الوطني بأدائه الجماعي المضطرب والمصيب أحيانا بالدوار، ولكن أيضا لأن هؤلاء الثعالب صدروا عن أنفسهم صورة الفريق الكاسر، كيف لا وقد تصدروا مجموعتنا من تعادلهم أمام غينيا وفوزهم الكبير على صقور الجديان بأم درمان.
توجسنا وقلقنا وتخوفنا من أن تفرمنا هوية اللعب المترنحة، قبل أن يجرفنا لحدود الدهشة والإستغراب ما تناهى إلى علمنا صباح أمس الأربعاء، وقد حملت الأخبار أن لاعبي منتخب غينيا بيساو أصيبوا بإسهال حاد نتيجة تعرضهم لتسمم غذائي ونقلوا إلى مستشفى الشيخ زايد بالرباط، لتنسج حول ذلك الكثير من الحكايات.
طبعا أدخلنا ذلك في دوامة كبيرة، وحارت عقولنا في فهم ما يجري، قبل أن يذيب الكاف كل جليد ويقرر تثبيت المباراة في موعدها زمانا ومكانا.
إلى هذه المباراة التي خرجت من أكمام الدهشة، أقبل وحيد خاليلودزيتش بتشكيل بشري يحمل متغيرين بشريين، ترسيم أيوب الكعبي لتعويض الغياب الإضطراري ليوسف النصيري، وعمران لوزا لإعطاء وسط الميدان جاذبية أكبر على اعتبار أنه أكثر مرافق اللعب التي افتضح قصورها في المباريات السابقة.
وخلافا لكل المرات السالفة، جاء تدبير الفريق الوطني لمباراته أمام الثعالب الملونة مختلفا، حضرت بعض من البراغماتية، وقليل من الإنسيابية وكثير من الفعالية وهو ما كان مرجوا في مباراة مثلت للفريق الوطني انعطافة قوية، فالفوز على الثعالب لم يكن ليمنحنا الصدارة فقط، ولكنه سيستعيد بعضا من الثقة التي اهتزت من فرط ما أفرزته المباريات السابقة من اختناق تكتيكي.
طبعا كنا نتخيلها مباراة صعبة وشاقة، ودلتنا الأرقام على حجم صعوبتها، إلا أن نجاح الفريق الوطني في افتتاح التسجيل بواسطة الرائع أشرف حكيمي مع نهاية الثلث الأول من زمن المباراة، بعد أن كان قد تسيد المباراة بالطول والعرض، سيمهد لانفجار غير متوقع، فقد بدا واضحا أن الإسهال الجسدي الذي ادعاه الغينيون لتأجيل هذه المباراة بالذات، انعكس على الثعالب سلبا فأصابهم الإسهال التكتيكي، ليصبحوا بدنيا وتكتيكيا في متناول العناصر الوطنية التي نجحت على خلاف كل المباريات السابقة في صناعة الكثير من الفرص السانحة للتسجيل وأيضا في رفع درجة النجاعة لمستويات قياسية، إذ هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الفريق الوطني من الفوز بخماسية في مباراة رسمية مع مدربه وحيد خاليلودزيتش.
بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بمباريات فاصلة، فإن النقاط الثلاث هي ما يهم في العادة، إلا أن ما شاهدناه في مباراة الأمس يقول بأن المخاض الطويل والعسير الذي مر به الأسود ليفصحوا عن هوية اللعب، قد أتمر أخيرا شيئا يمكن أن نطمئن له ونتفاءل به وأن نقول إن فريقنا الوطني قطع واديا كان مسكونا بالتماسيح.
هي خماسية تمنح جرعات كبيرة من الثقة، وتدل على أن صناعة الفارق الرقمي من الفارق المهاري والفني، هو بداية لفرض الذات، على أمل أن نكرر هذا التفوق الفني والرقمي في مباراة يوم السبت أمام نفس الثعالب التي لا ندري إن تعافت من الإسهال ومن صفعة الخماسية، بأي حال ستكون؟ وبأي شكل ستنتقم لكبريائها المجروح؟