أتحفتنا «أبوظبي الرياضية»، بما أصبح تقليدا إعلاميا لديها، قائم على إضفاء زخم مبهج على الأحداث الرياضية التي تنقلها على قنواتها المتعددة، بتغطية ولا أجمل للديربي 131 بين الوداد والرجاء البيضاويين، وقد حصلت على حقوق بثه من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، جزاء موفورا للقناة الإماراتية، على أنها تنازلت لقناة الرياضية المغربية عن حقوق نقل وقائع نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، الذي شهد تتويج الرجاء باللقب أمام شقيقه الإتحاد السعودي، المسابقة التي حصلت قنوات أبوظبي الرياضية على حصرية نقل نسختيها الأخيرتين، وحققت في ذلك مشاهدات قياسية عبر ربوع الوطن العربي الكبير.
على مدى ثلاثة أيام كاملة، حرصت القناة من خلال برنامجها «الشارع الرياضي العربي»، الذي يقدمه بكفاءة مهنية عالية الزميل يعقوب السعدي الذي هو في الآن نفسه المدير التنفيذي للقناة، على ملاحقة الديربي عبر فصوله التاريخية الجميلة والمثيرة، لإبراز جاذبيته كواحد من أرقى الديربيات العالمية، وفي ذلك كانت لها تقرير واستضافات، كررت في الواقع اللمسة الإعلامية الجميلة التي أضفتها على ديربي العرب، الذي ظل راسخا بإثارته الهيتشكوكية وباحتفاليته الجماهيرية في ذاكرة كل العرب.
وكان من الومضات الإعلامية الجميلة التي أضاءت هذه المواكبة، التي تعفينا بالنظر لجماليتها ودقتها ومهنيتها وخصوبتها أيضا، عن كل قياس مع ما عداها من مواكبات، استضافة الزميل يعقوب السعدي لرئيس الوداد البيضاوي سعيد الناصيري ولرئيس الرجاء البيضاوي أنيس محفوظ، في ما يشبه مناظرة إعلامية عالية التصميم ورفيعة الهندسة، أفرزت الحقيقة التي يتم تغييبها عند أي شطط في استعمال سلطة الإنتماء، حقيقة أن الوداد والرجاء هما جناحان لطائر واحد، فمهما اختلف بينهما السفر ومعها اختلفت السياقات التاريخية، فإن المرجعية تظل واحدة، فالفريقان معا يحلقان على نفس العلو، يمثلان قطبين لا ينفصلان في تنصيع صورة كرة القدم خارجيا وأيضا في قيادة قطار تنمية كرة القدم الوطنية.
لم يكن في تلك المناظرة ما يسمح لرقي الرئيسين ونخوتهما وانتمائهما لناديين كبيرين، بأن يكون هناك ضرب تحت الحزام أو تصدير لخطاب للكراهية أو حتى الشعبوية التي ينتصر لها في العادة، الساكنون في الجحور التواصلية.
عبر الرئيسان معا بنفس لغة الشغف والرقي والسمو عن مشتركات الفريقين الكثيرة، فإن فرقت بينهما ملاعب التباري، حيث يكافح كل منهما للفوز بالمباريات وحصد الألقاب والتتويجات، فما يجمعهما مصير واحد إقليميا ووطنيا، فهما معا يدافعان عن عراقة مدينة بالدار البيضاء وقد غديا معا من معالمها اللامادية، وهما معا يعرفان بالإبداع الكروي المغربي قاريا وعربيا ودوليا.
حضر هذا الوعي بقوة المشتركات بين الغريمين، بصرف النظر عن شراسة المنافسة بينهما رياضيا، في مناسبات كثيرة، كنت شاهدا عليها، بين عقلاء وحكماء مروا على تسيير القطبين، وقد كانوا ينتصرون على الدوام للخير الكبير الذي تطمسه الصراعات الهامشية وتمنعه المناوشات الحقيرة، خير لا يمكن أن يظهر إلا إذا صفيت القلوب قبل العقول، لتحقيق المنفعة المشتركة.
وأعتقد أن ما ضاع على الوداد والرجاء زمن طويل، للأسف لم تغلب فيه الحكمة، بسبب قوة الإحتقان وهشاشة المنظور وفظاظة التعاطي مع الحاضر المشترك، لذلك أتمنى صادقا لو يجتمع كل من سعيد الناصيري وأنيس محفوظ على طاولة الحوار بنفس السماحة والسمو اللذين ظهرا بهما في مناظرتهما على قناة أبوظبي الرياضية، ليتداولا معا في أمر على قدر كبير من الأهمية والإستراتيجية، بخاصة في هذا الزمن الرمادي الموصوف بالعسر المالي نتيجة استدامة التداعيات السلبية لجائحة كورونا، أن يشكلا جبهة موحدة للدفاع عن مشتركات اقتصادية وتجارية ورياضية.
وأنا على يقين، أن ما يمكن أن يربحه الوداد والرجاء من هذه الشراكة التجارية، وهما من يملكان نفس فضاء اللعب بالدار البيضاء ويملكان نفس الحوافز، بل ويعيشان معا على وقع نفس الرهان بمضاعفة الإيرادات المالية، أكبر بكثير من هذا التضاد الطبيعي بين القطبين، والذي يصر البعض على أن يلبسه رداء السفاهة.. 
شكرا لأبوظبي الرياضية على رائع وجميل المواكبة للديربي الغالي علينا كمغاربة، شكرا لها على مقاسمتنا فرحنا الوطني بملحمة المسيرة الخضراء التي كانت ذكراها السادسة والأربعين زمنا للديربي 131، فقد تصرفت في ذلك بتلقائية كبيرة ترسخ وشائج الحب القائمة بين الشعبين المغربي والإماراتي، فلا عجب.