حلق النسور الخضر بنجاح في الفضاءات المحظورة، وقد ظننا، وبعد الظن إثم، أن أجنحتهم تكسرت، وسقط الفرسان في حديقة لواندا التي كانوا على الدوام يجنون منها كل الغلال ويحلو فيها القطاف..
وتلك هي كرة القدم التي تبرع في التلاعب بالأرقام والمشاعر ولا تستقر على حال.
موجوعون ومصابون في كبريائهم، تنقل لاعبو الرجاء إلى الجزائر العاصمة لملاقاة وفاق سطيف، الفريق الذي لم يتنازل في كل ضيافاته للخضر عن النقاط الثلاث كاملة، وما كان الوجع وجعا إفريقيا، لأن الرجاء دشن دور المجموعات بالفوز على أمازولو الجنوب إفريقي، ولكنه كان وجعا وطنيا، لأن الرجاء بتعادله أمام أولمبيك خريبكة كان قد خاصم الفوز للمباراة الرابعة على التوالي، وبالطبع ما كان يجب أن يقدم قربانا لإطفاء الغضب الرجاوي الساطع، سوى المدرب مارك فيلموت الذي تأخر كثيرا في إبراز الشخصية الجديدة للرجاء، طبعا في مبناها التكتيكي ولكن على الخصوص في جرأتها وجسارتها على صون الكبرياء وحفظ الإرث الثقيل.
تصورت ومعي كل الرجاويين، على أن مباراة الوفاق، إما أن تكون لمارك فيلموت إعلانا رسميا عن الطلاق أو بداية للوفاق والإتفاق، وقد انعكس ذلك على الطريقة التي تدبر بها مباراة الجولة الثانية لعصبة الأبطال الإفريقية، حيث نشر الأحزمة الدفاعية وفرض نسبة تركيز عالية على أدق التفاصيل، ولكم كانت مثل هذه القمم المغاربية تحسم بالجزئيات الصغيرة، ويمكن القول إن ما سيبهر في هذه التقليعة الجديدة للرجاء البيضاوي، هي جرأته التي كشف عنها في الجولة الثانية، والتي مكنته من اصطياد هدف الفوز بقدم محمد ازريدة «المتحور».
وبعد أن شاهدنا شوطا أول، هو نسخة كربونية مما كانت عليه الجولة الأولى من مباراة خريبكة، حيث التكوم في المنطقة وغياب السلاسة في إخراج الكرة والإنحناء أمام غمامات الوفاق التي لا تمطر، جاءت الجولة الثانية لتخبرنا بحقيقة هذا الورش التكتيكي الذي فتحه المدرب البلجيكي مارك فيلموت، ورش يؤسس لمقاربة جديدة في بناء منظومة اللعب باحترام مطلق لخصوصيات الهوية الرجاوية، وقد كان الفوز «التاريخي» على وفاق سطيف، بالنظر إلى أنه يتحقق لأول مرة بالأراضي الجزائرية، أشبه بطوق النجاة لفيلموت، لكن ما سيأتي بعد 48 ساعة من مباراة الوفاق، إقالة للمدرب البلجيكي، وكما يقال فقد سبق السيف العدل.
وبينما كنا قلقين على نسور الرجاء وهم يحلقون للجزائر بأجنحة معطوبة، وبخواطر متأثرة بحالة الإحتقان، توقعنا أن يكون الوداد البيضاوي مخلصا لعاداته التي دأب عليها كلما زار ملعب 11 نونبر بلواندا، أي أن يعود بوفاض فيه النقاط الثلاث، وقد نظرنا للمباراة من زاوية التاريخ، وليس من زاوية ما حدث من متغيرات، في فكر دوس سانطوس مدرب بيترو أتلتيكو الأنغولي ووليد الركراكي مدرب الوداد.
كان من الطبيعي جدا، أن يركن بيترو أتلتيكو في أحلامه بقلب ظهر المجن للوداد، إلى ما أحدثه في صفوفه من متغيرات باستقدام لاعبين وازنين، وإلى ما بعثته مباراة القاهرة أمام الزمالك من تطمينات وتحفيزات، فالفريق الأنغولي كان متقدما على الزمالك بهدفين نظيفين، قبل أن ينتفض زملاء أشرف بنشرقي ويدركوا النقطة اليتيمة بشبه ريمونتادا..
كان من الطبيعي أن يحتفي بيترو بمقدم الوداد بشكل مختلف، لكن ما لم يكن طبيعيا هو أن يصر وليد الركراكي على إلباس الوداد جلبابا دفاعيا ويسجنه في دفاعية شبه مطلقة ببلوك نازل، ويفتح بذلك على نفسه جحيم المنافس.
طبعا نجح الوداد البيضاوي بنسبة عالية في إفراغ بيترو أتلتيكو من شحناته الهجومية، إلا أن مبالغته في اللعب متأخرا، ستسقطه في شراك بيترو الذي نجح في التسجيل من واحدة من الحلول الهجومية التي يعتمدها المدربون لكسر المنظومة الدفاعية للمنافس، اللعب على ظهر المدافعين، وقد كانت من المرات القليلة التي وجدت فيها المدرب وليد الركراكي يغير منظومة اللعب في ثلاث مناسبات، وكأني به يضيع على نفسه الخيط الناظم، وبعد ذلك يشرع في البحث عنه، ويعرض فريقه لقصف مجاني.
وأنا شخصيا لا تستفزني الخسارة التي مني بها الوداد هناك بلواندا أمام بيترو أتلتيكو، إلا لكونها تأتي قبيل مواجهتين كاسرتين للعظام أمام الزمالك المصري في الجولتين الثالثة والرابعة، ولو أن الزمالك لا يبدو أفضل حالا من الوداد لأنه لم يجن من مباراتيه أمام بيترو أتلتيكو وساغرادا سوى نقطتين، وعندما يكون بيترو أتلتيكو هو المتصدر للمجموعة بأربع نقاط، وبفرض أن يتحصل على ست نقاط من الديربي أمام ساغرادا، فإن من سيتنافس على البطاقة المتروكة هما الوداد والزمالك.
بالخسارة أمام بيترو أتلتيكو، يكون هامش الخطأ قد ضاق كثيرا أمام الوداد البيضاوي، وبما جناه وليد على نفسه، فإنه يكون قد استهلك ما يمنح في العادة من فرص التعويض، ولا مجال بعد اليوم لأي خطإ في الحسابات التكتيكية.