وهل يجب أن نعكر صفو هذا الفرح الجماعي الذي عمنا بتأهل فريقنا الوطني إلى كأس العالم للمرة السادسة في تاريخه، وللمرة الثانية تواليا، علامة على تميز وسط الأقران بالقارة الإفريقية، بأن نمعن في طرح سؤال الوجع، هل يجب أن يبقى وحيد خليلودزيتش ناخبا ومدربا وطنيا؟
هل هذا الرجل الذي عذبنا بعناده، حتى خاصمناه وطالبنا ذات مرة برحيله، هو من يجب أن يكون لنا قائدا تقنيا في مونديال قطر؟
مؤكد أن هذا السؤال سيعود لا محالة لدائرة النقاش، وإن عاد وجب وضعه في سياقاته الزمنية ووجب أيضا ربطه بالمستجدات وبكل ما له طبيعة استقرائية، إلا أنني أفضل أن لا نفسد للفرح أجواءه وللإحتفال بهاءه، إذ الأجدر بنا أن نجلس وقد بدأنا في التحلل من البطانة النفسية التي ألبسنا إياها الدور الإقصائي الحاسم بتوتراته وهواجسه، في مباراتيه أمام فهود الكونغو الديموقراطية، لنقرأ بإمعان ومن دون تشنج ولا تبئيس أيضا الطريق التي سلكها فريقنا الوطني ليبلغ المونديال، والتي قال خلالها أنه يمتلك بحق ثقافة التباري من أجل بلوغ العالمية، ولعلكم تابعتم رصدنا في «المنتخب» للمسالك الوعرة التي عبرها الفريق الوطني منذ أن دخل تصفيات كأس العالم فجر الإستقلال، سنة 1960 تحديدا، فما حدث مرة أن ابتعد الفريق الوطني من نسخة 1962 لغاية نسخة قطر 2022 عن الأدوار التصفوية الحاسمة، لقد تأهل لست نهائيات ولكنه كان دائما أقرب إليها من حبل الوريد..
وإذا ما نحن ركنا لمنطق الإحصائيات الذي لا يبقي مجالا للعواطف، إذا ما تحدثنا بلغة الأرقام التي لا تكذب، وجدنا أن فريقنا الوطني كان الأميز بين كل المنتخبات التي عبرت لمونديال قطر، فأرقامه تقول بأنه حقق ما لم تحققه أي من منتخبات، تونس، السينغال، غانا والكاميرون التي تحمل معه لواء الكرة الإفريقية في مونديال قطر.
كان الفريق الوطني الوحيد بين المنتخبات الأربعين التي حضرت الدور الإقصائي الثاني، الذي حقق العلامة الكاملة في مبارياته الست، أي أنه نال 18 من أصل 18 نقطة ممكنة، ولو جارينا من يدعون أن منتخبنا الوطني إنفرد بإجرائه لمبارياته الست عن الدور الثاني بالمغرب، فإن الطريقة التي حسم بها الأسود مباراتي الدور الإقصائي الحاسم بملعب الشهداء بكينشاسا وبمركب محمد الخامس بالدار البيضاء أمام فهود الكونغو، بالتعادل ذهابا بهدف لمثله هناك بكينشاسا، وبالفوز برباعية «التبوريدة» هنا بالمغرب، تؤكد بما لا يدع مجالا للمجادلة وحتى للسفسطة، أن فريقنا الوطني أنجز تأهله للمونديال بعلامة الجودة الرقمية المبهرة.
ولو أنني تنقلت مثل كثير منكم موجوعا بين المباريات، وأداء الفريق الوطني، بل واختيارات الناخب الوطني، تصيبني أحيانا بالتقرح، إلا أنني عندما آتي للخواتيم التي تضرب بها العبر وللغايات التي تبرر الوسيلة، أنحنى أمام هذا المسار الأنطولوجي، بل وأسائل نفسي تقديحا، أما كنت وكنتم وكنا نقول، ونحن نتقدم لمباراة الكونغو الديموقراطية، مثل هذه المباريات تكسب ولا تلعب، فما دمنا قد كسبناها، فما جدوى أن نسأل بعد ذلك كيف لعبناها..
قطعا، نحن نحلم بما هو أفضل، والأفضل أن نجمع بين الأداء الجيد والنتيجة المبهرة، وعندما يتعلق الأمر بمباريات لكأس العالم، فنحن هنا في حضرة المستويات العالية، حيث تضعف فرضية أن النتيجة تغلب على الأداء، لأن استدامة الإنتصارات لا تكون إلا بتجويد الأداء، وأتصور أننا نملك المقوم البشري لكي نهندس منظومة لعب تتناسب والرهان المونديالي الذي نحن مقبلون عليه، والذي ستدلنا القرعة على كثير من تفاصيله.
قبل ذلك، دعونا نهنئ فريقنا الوطني على ما أنجزه للتاريخ، دعونا نهنئ اللاعبين تحديدا على الشخصية الفدائية التي تقمصوها في مباراتهم البطولية، دعونا نهنئهم على أنهم ما أخلفوا الموعد مع الجماهير الرائعة، ودعونا نهنئ من القلب هذه الجماهير التي كلما شعرت أن هناك دعوة لكتابة ملحمة كروية، إلا وكانت معبأة فوق الوصف لكي تكتب فصلا من تلك الملحمة..
هنيئا لمونديال قطر بمنتخب المغرب، فقد كسب هذا المونديال بوصول أسود الأطلس فريقا يمكنه أن يجمل الإستثناء..