ذكرتنا الجامعة مشكورة وهي تشعل الخريف البارد بقرارات ملتهبة ونارية، بلازمة يرفعها أصحاب الدكاكين والمتاجر شعارا يغني عن كل استئناف ويصد كل الملتمسات قبل النطق بها «ممنوع الطلق والرزق على الله».
فطنت الجامعة إلا أنها مسؤولة عن رعيتها، فلن تترك الحبل على الغارب لرؤساء يحلون بالفرق لقضاء الكثير من المآرب لا إنجاز المشاريع، رؤساء يأتون للتبندير والإستعراض، وبعد أن يخربوا البيت ويغرقوا السفينة يرحلون ويتركونها لسيء الحظ الذي يأتي خلفهم ليتمرمد.
ما قامت به الجامعة وهي تسن قانون منع التعاقدات على المعسرين والمتعثرين ماليا، هو شبيه بكل القوانين التي تسن في حالات الطوارئ، ومنها قانون حضر التجوال في الحروب، وحين ينحني مؤشر الأمن للأسفل، وليس في الأمر تضييق على البشر وإنما حماية للمواطن من شر نفسه أولا.
الأمران يتشابهان، فالجامعة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، ولو تركت الفوضى والعبث مفتوحان على مصراعي مسيري آخر زمن، فإن الإفلاس سيكون حليفا لفرق البطولة إلا من رحم ربك، وبقرارها الجديد ستفرض الإنضباط والتوازن المالي وقواعد اللعب النظيف التي شقتها الفيفا، ومن يهرول خارج السرب فإن مصيره قد يمتد لما هو أكبر من مجرد منع من دخول سوق اللاعبين بفرض الهبوط لدرجة موالية.
على الجامعة أن لا ترضخ لتوسلات مدرب أو رئيس ناد يرى أن ناديه لم يخبر ولم يعلم مبكرا، وعليها أن تعض على العناب بالبرد وأن تتحلى بصرامة مضاعفة لأنه في هذا القرار كل الخير لفرق البطولة ولمنتوج الكرة وسيعيد رسم خارطة طريق نظيفة لا تتيح للأعداء الشماتة في حالنا ومآلنا حتى صار لاعبو فريق من فرقنا يخرجون على الإعلام ليتلوا رسائل تطفح بالألم وتنوء بالجراح من فرط قلة ذات اليد والحاجة.
قرار الجامعة ودوريتها ستسري على الغليظ والهزيل، على الغث والسمين وعلى الكل سواسية ولا فرق بين الأندية إلا بالتقارير التي تؤكد نظافة السيرة والذمة وخلو السجل من الديون، ولا يعقل مثلا أن نقبل بدخول فريق حتى لو كان إسمه الرجاء سوق الإنتقالات مجددا وهو الذي لم يسدد فاتورة بالملايير للاعبيه وديون سابقة، وليعذر فاخر الجامعة حتى وإن سنت هذا القانون في «الفوروج» كما قال لأن فيه تخليق للممارسة وإحلال للتوزان.
ما قامت به الجامعة وسيسري على الرجاء مثلا هو لمصلحة هذا النادي، لأن هذا العلاج يشبه الكي وهو آخر أنواع التداوي كي ينتهي النزيف ولا يستمر الورم في الإنتفاخ ومن سيربح في نهاية المطاف هو الرجاء، لأن العملية تشبه «الدياليز» وتصفية الكلى للرجاء التي اختنقت بالديون حتى صارت أضحوكة يتداولها من هب ودب وبسخرية لاذعة.
كما أنه لا أحد من اللاعبين سيقبل بالمغامرة بالتوقيع للرجاء الذي كان حمل قميصه فيما مضى شرفا، وأصبح اليوم التفكير في الأمر أشبه بالإنتحار كون من سيفعل ذلك سيتحمل تبعات الأمر وهو المدرك أن رئيس الرجاء لم يسدد ديون السلف، فكيف به يفعل ذلك مع الخلف.
في قرار الجامعة بمنع التعاقدات أو تقنينها إن صح التعبير، إيذان بدخول مرحلة يسود فيها القانون وتغيب العاطفة التي طالما جنت على الكرة المغربية وتسببت في كل إخفاقاتها السابقة.
حين يحضر سلطان القانون ويتساوى الكل أمام ناصيته، ويعم العدل حتى وإن كانت سنواته الأولى غالبا ما تتسم بالصعوبة، فإن الخير  لا بد وأن يعم لاحقا ورياحه ستهب بغيثها النافع حتى وإن تأخرت قليلا.
على فرقنا أن تتحمل أوزار جموعها العامة المخدومة، والتي كانت سببا في وضع رقابها بين أيدي مراهقين صغارا، بنزوات عابرة جاؤوا للتخريب وليس لتقديم الإضافات اللازمة لمشهد الكرة والممارسة.
وعلى الفرق التي تبكي اليوم أطلالها بسبب منعها من السوق، أن تشكر الجامعة على قرارها الذي يشبه «السيروم» الذي سيخرجها من غرفة الإنعاش ويعيد لها ترياق الحياة وينهي استعارتها بكرات صينية مغشوشة تدعي بها عذرية مزقتها معاملات مالية مشبوهة وشطحات مسيرين أغبياء.