يثيرني كثيرا هذا المدرب، يعجبني لدرجة أني أحمل له احتراما وحبا يدركهما أكثر من غيره بعدما أسعفني الحظ وأنا ألتحق بهذه المهنة ليكون هو في قمة النضج التألق وكان هذا قبل 10 سنوات من الآن، ومنذ اليوم الذي حاورته لمست فيه ذكاء ونباهة وفطنة، وبوميض عينيه إصرارا كبيرا على التحدي وركوب الأمواج لتحقيق أهدافه.
الركراكي اليوم بخلطته المثيرة «لوك» وكاركاس «غوارديولا و«شو» مورينيو وصرامة «بيلسا» وبعضا من أفكار رودي غارسيا مدرب روما، هو في واقع الأمر المدرب «المودرن»، الحداثي والمدرب الرقمي المواكب للعصر ولما يريده أبناء هذا الجيل.
تعجبني تصرفات وليد الركراكي كثيرا، إستفزازاته للبقية، إصراره على أكل الثوم بفمه وليس بفم الغير، وحين خرج الركراكي ليقول «ربحنا الوداد والرجاء باش ما يبقاش فيهوم الحال بجوج»، فقد كان الرجل يدرك ما يقول بخبث ومكر يحسد عليهما.
هناك من يرى اليوم في تصريحات الويلزي طوشاك ما يغري بالتتبع، لكن لأن وليد مغربي فإنه يتعرض للسخرية حين يتكلم ولا يتفاعل معه إلا الذين يؤمنون بصدق نصرة إبن البلد ظالما أو مظلوما.
الركراكي يرى أن الوداد والرجاء مثل سيارتي الفيراري والبورش ومجاراتهما من قبيل المستحيلات، وتتطلب سائقا بمهارة عالية قادر على تجاوز فارق ماركة الصنع، ولا أحد إستوعب أن الرجل بهذا حرك مشاعر مسؤولي الفتح واستفزهم، لأنه لو تحصل على اللقب ودرع البطولة سيصنف ضمن خانة البطوليين والفاتحين الكبار.
ترك مدربون كثر سكومة ورموا به لغيابات النسيان فلا أفلح بالوداد، حيث معقل النشأة، ولا هو لمع بالجديدة ولا حتى تفوق بالخميسات، ليعيد الركراكي صقل ما به من صدأ ويعيد تلميعه بشكل يجعل من سكومة اليوم صورة طبق الأصل للفتى الذي تعرفنا عليه قبل سنوات مع الوداد وليس سكومة التائه بفعل صنيعة مدربين لم يحسنوا احتضانه.
ما فعله الركراكي مع سكومة كرره مع الباسل فأعاد اكتشاف اللاعب في نفس المركز الذي لمع فيه وليد  ظهيرا أنيقا، بشكل يحسب للمدرب أكثر مما يحسب للاعب اعتقد نفسه منتهيا بعد استهلاكه المتكرر رفقة الجيش وتطوان وفاس.
تعرفت على وليد منذ سنوات، وكلما كنت ألتقيه كنت أجدد التقدير والإحترام لعصامية لاعب تستحق بالفعل أن تدون وتسجل بمداد التنويه والتقدير بكل ما تحمله اعترافات الرجل، من مقاومة للفقر والفاقة والحاجة وركوبه صهوة التحدي لبناء المسار بالعرق والجهد الوفير.
يقول وليد أنه نشأ فقيرا ولم يجد ملعقة من ذهب في فمه، حكي لي عن سنوات القهر و الشوماج والإكتفاء بتعويض هزيل كان يتقاضاه بفرنسا ليحتفظ بحد أدنى من كرامة الرجال في أرض الغربة.
أختير وليد أفضل مع أفضل منتخب مغربي خلال آخر 3 عقود وهو منتخب 2004، وحين علق وليد حذاء الدولية فإنه لم يفضل البقاء بأرض المهجر بل أصر على العودة من الإغتراب ليصنع لنفسه إسما ضمن خانة المؤطرين.
أتذكر أني كنت سنة 2010 رفقة وليد بمراكش وتابعنا سويا كيف أجهز المنتخب المغربي على الجزائر برباعية نظيفة، وبعد المباراة خرجنا لنحتفل أنا وهو كمواطنين أسعدهما فعل الأسود، وليس كصحافي ولاعب دولي سابق.
يومها كشف لي وليد عن رغبة جامحة وقوية في ولوج ميدان التدريب، وكان تحليله لملحمة رباعية كان غيرتس هو مهندسها، ينم عن فكر مدرب يفهم جيدا أصول التكتيك ويفتت عظم الخطط.
اختير وليد بإسم الكفاءة بضربة معلم تحسب لعلي الفاسي الفهري ليكون ضلعا ثانية في معادلة الطوسي على رأس العارضة التقنية للأسود، ولما رحل الطوسي كان هناك من أسر ببقاء الركراكي ليكون «كو - بيلوط» المدرب القادم غير أن وليد أصر على التعلم من المغامرة.
اليوم وأنا أرى الفتح وقد نضج عظمها واستوت أكثر، فازت بأغلى كأس فضية وداهمت نهائيا ثانيا على التوالي لذات المسابقة، وتقتحم هذا الموسم على الوداد خلوة الريادة، فإني لا أرى ما يمنعني على رفع القبعة لهذا المدرب الشاب والمثقف والمحترم حتى.
لو يفلح وليد في فعلها ويقلب الطاولة على الجميع ليتوج بلقب البطولة ويذهب مدى بعيدا في كأس الكاف ويضم الحسنتين لحسنة الكأس الفضية، فلا أحد سيتجرأ يومها على التصدي لطموح وليد في أن يكون بإسم الشرعية المدرب المستقبلي للمنتخب المغربي.
مارس على أعلى درجات الإحتراف، وصافة رفقة الأسود قاريا، شارك رفقة الأسود بقبعة المدرب المساعد في «الكان» وقاد الفتح لمجد ما حلمت به على السريع لولا نباهة ونبوغ الركراكي.
قبل أيام هاتفني وليد وأحالني على صوت فاجأني وقال لي ستتعرف عليه لتتعرف على السر وراء خلطات التفوق والنجاح التي ترافقني، لم يكن مجيبي غير السيدة والدة وليد وبعفوية وبساطة الأمهات وجدتها تغمر وليد بالدعاء الصالح وتختم «سير أوليدي الله يرضي عليك».
ساعتها فهمت لماذا يفلت الركراكي من مكائد ومصائد المتربصين وأيقنت أنه يستلهم إبداعاته من الجنة الموجودة تحت أقدام الأمهات.