في محطات الزمن الرياضي، المختلف اختلافا كليا عما عداه من أزمنة، هناك دورات يكون ضروريا الوقوف عندها بهدف جرد الحصيلة وتشريح الوضع بمنتهى العلمية، وبغاية تحيين منظومة الإشتغال، وأحيانا تغيير إستراتيجية متقادمة ومنتهية الصلاحية باستراتيجية بديلة، تقوم على أنقاض ما سبقها من دون أن تلغيها أو أن تتبرأ منها.
وفي الرياضة، عند الذين يعتبرونها صناعة قائمة بذاتها وعمادا قويا لصرح التنمية بمختلف أوجهها ومجالاتها، تكون في العادة الألعاب الأولمبية هي الفاصل بين زمنين، عملا بما يسمى بالدورة الأولمبية، إذ يكون التقييم للمحصلات هو بوابة للإجابة على كثير من الأسئلة التي تستهدف الإستراتيجية، وطبعا متى أجيب بتجرد وموضوعية، بلا مزايدات وبلا تغليب للعاطفة، على كل هذه الأسئلة كان ممكنا أن تمر عملية الإنتقال من دورة زمنية لأخرى بمنتهى السلاسة، بلا احتقان وبلا رغي أو سفسطة.
ولعلكم تلاحظون أن الدول المتنافسة في العادة على صدارة العالم في محفله الأولمبي الكوني، تقف طويلا عند محصلاتها لتعرف ما إن كانت قد وافقت التوقعات أو جاوزتها أو لم تبلغها، ولا يعني هذا الوقوف الطويل أن زمنها الرياضي قد توقف، ولكن معناه أن التقييم يتم بدرجة عالية من العلمية، لمعرفة نواحي الخصاص ولضبط سرعة سير الأخير في هذا الطريق السيار الذي يتحرك فيه قطار الرياضة العالمية بسرعة قياسية.
هل أخبرتنا توقعاتنا قبل 8 سنوات مثلا أن بطلنا الكبير سفيان البقالي سيتوج بذهبية سباق الموانع في أولمبياد طوكيو؟ وهل دلتنا أي دراسة مستقبلية أنجزها الباحثون والراصدون، وبطلنا الأسطوري هشام الكروج سيتوج في أولمبياد أثينا 2004، بذهبيتي 1500 و5000 متر، أن ألعاب القوى المغربية سيأفل نجمها ولن تعود لمنصات التتويج متوجة بالذهب الأولمبي إلا بمرور 17 سنة؟
بالطبع لم يخبرنا أحد بذلك، لا لسبب، إلا لأننا لا زمنا رياضيا لدينا، ولا خلية محدثة داخل قطاع الرياضة تهتم بهذا الرصد وبهكذا توقعات، ولا منهجا علميا نطبقه في تدبير رياضتنا من البحث إلى التكوين إلى المصاحبة، لنقول إن المغرب بمقدوره أن يرفع غلته من الميداليات في دورة باريس التي لا تبعد عنا سوى بثلاث سنوات.
لا علم لي إطلاقا بأن قطاع الرياضة، وقد أضيف لقطاع التعليم الأولي وسلم حقيبة حكومية مزدوجة لشكيب بنموسى، قد عكف مع عودة رياضتنا الوطنية من أولمبياد طوكيو مكتفية بذهبية سفيان البقالي، الله يرضي عليه، على تقييم الحصيلة بتطبيق معيار المقارنة الإستدلالية، ومن تم حصر النواقص المعيبة، لتفاديها في حملة الإعداد لأولمبياد باريس 2024، هذا إذا كنا قد أطلقنا بالفعل حملة، وهذا إذا كانت لنا قاعدة معطيات على أساسها نستطيع أن نضع لرياضتنا سقف طموحات لا غلو ولا فولكلورية فيه.
ما بين ورشين، حتى لا أقول ما بين نارين وضع شكيب بنموسى، وهو يؤتمن على التعليم الأولي بكل ما يجتره منذ سنوات من نواقص مفجعة نراها مجسدة في تكوينات شبابنا، وعلى الرياضة التي ظلت تواقة لسنوات إلى نوع من الإستقلالية تضمن لها تدبيرا حداثيا وتبرز حقيقة ما يتناثر في الفضاء السياسي من شعارات تنادي بضرورة جعل الرياضة من رافعات النموذج التنموي الجديد.
ولو نحن سلمنا بقابلية دمج التعليم الأولي بالرياضة في المبنى الجديد للحكومة، لعله يساعد على إزالة ما كان من قطائع بين مجالين، كان يفترض أن يكون الواحد منهما دعامة للآخر، فإن ذلك لا يعفينا من ملاحقة السيد الوزير بالسؤال عن المقاربة التي سيعتمدها القطاع من أجل الإرتقاء بالتداول في الشأن الرياضي، التداول الذي يبدأ من حيث انتهي التقرير الشامل الذي صدر عن المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي الذي كان يرأسه بنموسى، بشأن معطلات الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة والتي وضعت أسسها سنة 2009 بالإحتكام لما خلصت إليه المناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008.
وقد نادى هذا التقرير من خلال توصياته، بضرورة تغيير المقاربة عند طرح الإشكاليات الرياضية، ومعالجة الخصاص الحاصل في كل مستويات الهرم الرياضي، من قاعدته إلى نخبته، وجعل الدورة الأولمبية إحدى أكبر محددات الزمن الرياضي.
لا أعتقد أن لنا خيارا آخر، في ظل ما هي مواجهة به حكومة أخنوش من تحديات لتنزيل النموذج التنموي الجديد، سوى التعاطي بمسؤولية واحترافية مع الشأن الرياضي الوطني لتخليصه من كل الأوجاع والمعطلات، ولنقله إلى مستويات متقدمة في الحكامة، تساعد في النهاية على إفراز رياضة إن حظيت من الدولة بالأولوية، كانت لها من الدعامات القوية والسليمة التي يقف عليها نماء الوطن..