ذاك كان قدرنا، أن يدير أسودنا الظهر مجددا لكأس إفريقيا للأمم، وقد ظنناهم سيذهبون في ممشاها المرهق والصعب أبعد بكثير من ذاك الدور ربع النهائي، الذي وقفوا عنده وقد فرغ الرصيد وانتهت التعبئة وجف الضرع.
وهو أيضا قدرنا، رضينا أم لم نرض، أن ننتظر سنتين أخريين لعل منتخبنا الوطني ينهي حالة الجفاء مع اللقب الإفريقي، التي دخلها لمدة تزيد اليوم عن 46سنة، لكن مستقبلنا القريب، يفرض أن نهجر الأطلال الباكية وأن نقاوم كل التعرية التي يمارسها الحزن علينا، أن نؤجل كل الكلام الذي يخرج من الصدور قبل الأفواه كاللهب، كلما كانت هناك خيبة أمل، ونتوجه لما هو آت وبات يظهر لنا في الأفق القريب، أقصد المواجهة القوية التي تنتظرنا شهر مارس القادم، بعد خمسة أسابيع بالتمام والكمال أمام فهود الكونغو الديموقراطية، مواجهة إما أنها ستمنحنا حضورا جديدا في كأس العالم بقطر، وإما أنها ستبقينا في مدارج المتفرجين نشاهد بعيون حزينة مونديالا يقام ببلاد عربية ونحن لسنا طرفا فيه.
لا مناص إذا من الخروج سريعا من حالة اللوم والندم والعتب على الأسود وبخاصة على مدربهم وحيد خليلودزيتش الذي ما ظهر برغم الإخفاق مؤشر على رحيله، ولا خيار أمامنا إلا أن نتعبأ جميعا من أجل تحقيق هدف التأهل للمونديال للمرة الثانية تواليا وللمرة السادسة في تاريخ المنتخب المغربي، والتعبئة يجب أن تكون بجميع أشكال المساندة، بمعنى أن نغلق تماما كل النوافذ والشرفات التي تدخل منها رياح العتاب والسخط من الذي حدث للأسود بالكامرون، وأن نشحن كما استطعنا الطاقة الإيجابية، لأن المنعرج الأخير في ممشانا التصفوي المونديالي خطير وصعب ويحتاج لأعلى درجات التركيز.
ولأن الفريق الوطني سيكون بالكونغو الديموقراطية، تحديدا بملعب الشهداء، تحت وطأة العديد من المؤثرات الساحقات، المناخية والتنظيمية والجماهيرية، وهو يخوض مباراة الذهاب أمام فهود متعطشة لتأهل ثان لكأس العالم بعد حضور أول يعود لسنة 1974، وخلالها كان عبور هذه الفهود سافرا ومتوحشا على جثت أسودنا، فإن ترتيبنا لمباراة العودة بعد أربعة أيام من مباراة الذهاب، يجب أن يكون متمثلا لجميع عناصر النجاح، وأول تلك العناصر أن يستعيد فريقنا الوطني صوت الجماهير، الذي إذا ما انطلق من الحناجر إلا وزعزع الأرجاء وأرهب المنافس وأعطى للاعبين أجنحة للتحليق عاليا فوق كل الظروف المحبطة.
وإذا كانت جائحة كوفيد 19 قد أفرغت منذ قرابة السنتين ملاعبنا الرياضية من الجماهير، اتقاء لشر العدوى وتلجيما لانتشارها، فاليوم وقد تحسنت الوضعية الوبائية، وبدأنا ولله الحمد في الترتيب للعودة تدريجيا لحياتنا الطبيعية، سيكون لزاما أن يجري الفريق الوطني مباراة العودة أمام منتخب الكونغو الديموقراطية بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، في حال ما تأكد أن يكون مركب النار هو المستضيف لهاته المباراة، بحضور جماهيري مكثف، طبعا تتحقق فيه كل شروط السلامة الصحية، حتى لا تهدم مباراة في كرة القدم مهما كانت درجة مصيريتها الجهود المضنية والمقدرة التي بذلها المغرب لاحتواء الجائحة وقاسى من أجل ذلك متاعب تهد الجبال.
ولا أشك ولو للحظة أن الجامعة ومعها اللجنة الصحية، سيحرمان الفريق الوطني من سند لا يعوض بمال، السند الجماهيري، ما إذا جرى تأمين كل الضمانات الصحية، فلنا كل الثقة من أن جماهير المغرب بمركب النار ستعيد لا محالة ملحمة 1994 و1998، عندما نجح الفريق الوطني في السنتين معا من تحقيق التأهل لكأس العالم بعد فوزه على المنتخبين الزامبي والغاني بهدفي كل من عبد السلام الغريسي وخالد رغيب، هنا بالمغرب بفضل مساندة جماهيرية إلى الآن يصعب علي وصفها برغم كل هذه السنوات التي انقضت..