عندما تمنح الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم الأفضلية للبطولة الإحترافية المغربية على المستوى القاري، فإن ذلك يستوجب أن نستحضر السياقات والمؤشرات وكذا الإنتظارات، أن نحرص على تحديد مزايا هذا التصنيف بلا غلو وبلا مغالاة، وأن نطمئن على المسار الذي تسلكه البطولة المغربية، التي تعتبر الأندية هي المرآة العاكسة لجاذبيتها، وطبعا من دون أن نتجاوز عن عديد الإختلالات الهيكلية والمترسبات السلبية الناجمة عن طول هذيان تسييري، فلا يمكن بالقطع لهذا التصنيف أن يخفي الوجه القبيح لبطولتنا أو لأنديتنا.
هناك من استكثر على البطولة الإحترافية المغربية أن تحظى بهذه الريادة «المؤقتة» في محيطها القاري بداعي أن البطولة المصرية يوجد بها الأهلي بطل القارة لمرتين متتاليتين والزمالك المتوج مرة بكأس الكونفدرالية، وبحجة أن البطولة التونسية يتواجد بها الترجي الذي توج هو الآخر بلقبين متتالين لعصبة الأبطال، وبين من استغربوا لهذا التصنيف أيضا، من يعتبرون أن الأندية المغربية، بخاصة منها الوداد والرجاء البيضاويين يقفان على مسافة بعيدة في الموازنات والرصيد وحتى الألقاب، من الأهلي ومن الزمالك ومن الترجي.
والحقيقة أن المؤشرات التي يجري الإعتماد عليها دوليا في تصنيف البطولات والأندية وحتى المنتخبات، هي أرقام لا يمكن أن تكذب، فلا تصنف بطولة بحسب موازنات نواديها، ولا أيضا بحسب جماهيريتها، ولو أن البطولة المغربية في هذه، مع عودة الحياة للمدرجات، تعتبر الأجمل والأبهى، ولكنها تصنف بحسب مردود أنديتها في عصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية، ليس القصد أن نقف عند من يتوج أكثر بالألقاب، ولكن المؤشرات تأخذ بكل المباريات، وهناك قاعدة تنقيط معتمدة هي ما يقول بأن هذه البطولة أفضل من غيرها، فلا مجال هنا للمزايدة، والحال أن ناديي الرجاء والوداد هما اليوم أفضل وضعا في دور مجموعات عصبة الأبطال من كل الأندية المصرية والتونسية، بما فيها النادي الأهلي بطل القارة.
وشخصيا أنظر لهذه الريادة المستحقة بلغة ما ينجز وبلغة الأرقام أيضا، من زاوية ما بذلته أنديتنا الملتزمة بالمنافسات القارية، من جهد مقدر لتغير المنظور والتعامل وزاد السفر إفريقيا، وما تواجد الأندية المغربية باستمرار في دور المجموعات لعصبة الأبطال ولكأس الكونفدرالية، بل ووصولهما المتواتر للأدوار النهائية المتقدمة، إلا دليل على أن نمطية التعامل مع المنافسة الإفريقية سقطت، وأصبح هناك نضج كبير في التعامل مع الرهان القاري.
طبعا، لا يمكن لهذه «الريادة المتحورة» للبطولة الوطنية إفريقيا، أن تصرفنا عن هامش الإشتغال الكبير الذي يوجد أمامنا، كما لا يمكنه أن يلهينا عن العوارض الرياضية والتدبيرية التي تنتصب أمام الأندية، لكثير من المسببات، منها على الخصوص صعوبة امتثال الأندية للأحكام الإحترافية الجديدة التي يفرضها القانون، ومنها التوازنات المالية والقواعد الاقتصادية والتشريعات القانونية المرتبطة بنظام الشركات الرياضية.
وسيكون لزاما على البطولة الإحترافية وقد أنهت عقدها الأول، أن تمر لسرعة أكبر في تنزيل الضوابط المالية والرياضية والتدبيرية التي هي من روح المنظومة الإحترافية، كأفضل طريقة لمحاربة الريع وأنجع وسيلة للحد من سلطة السياسة على كرة القدم وأمثل حل لجعل الأندية مؤسسات اقتصادية تدار بطريقة شفافة ولا تكون رهينة لمجموعة من المنتفعين والمصلحيين الذين يخترقون هذه الأندية لقضاء مآرب سياسية.
هذا ما أسميه شخصيا الجهاد الأكبر الذي يجب أن تدخله كرة القدم المغربية لربح رهان المستقبل، رهان الإحتراف، رهان البقاء لأطول مدة ممكنة في الصدارة إفريقيا ورهان القبض على مزيد من الألقاب، ورهان التشبه بالأندية الأوروبية التي قطعت شوطا كبيرا في التحلي بمزايا الإحتراف فكرا وروحا ومنهجا في العمل..