إن صدمنا ما أصبحت عليه العلاقة بين الإعلام وبين الفاعلين الرياضيين الوطنيين، من مسيرين ومناصرين، من احتقان ومن سوء ومن تردي، تشهد عليه للأسف مظاهر كثيرة من التراشق والتلاسن والقصف بالبلاغات، دفعنا ذلك، إلى طرح السؤال حول مسببات هذا التنافر غير الطبيعي، بين مكونين أساسين من مكونات المشهد الرياضي الوطني، وعن نسبة الأمل في إبادة هذا الإحتقان الذي يفسد الود ويشيع جوا مكهربا لا قبل للعائلة الرياضية به.  
لنتفق بداية أن ما نسجله من خروج عن الميثاق التعاقدي والأخلاقي، بإطلاق بعض المسيرين الرياضيين، تصريحات مهيجة تستهدف كرامة الإعلام وقدسيته، وتلقي باللائمة على الصحافة وحدها بسبب ما يوجد من ضحالة في المشهد، هو شروع في زرع الفتنة وإمعان في النيل من السلطة الرابعة، بل وتكسير إرادي للمحصنات المهنية والأخلاقية، فلا أحد على الإطلاق يستطيع اليوم أن يهمش الدور الريادي للصحافة في نقد وتقويم الحركة الرياضية، لا أحد يمكن أن ينكر بأن طائر الرياضة مهما فعل لن يستطيع التحليق من دون جناح الإعلام، بل لا أحد ينفي إسهامات الصحافة في التراكمات الرياضية الوطنية، قديمها وحديثها.
مؤكد أن التطور التكنولوجي الرهيب الذي عرفته البشرية مع بداية الألفية الثالثة، وسع دائرة الإعلام، بل وضاعف من منتجاته، إن لم يكن قد تجاوز الإطارات الكلاسيكية التي تحكم وسائل الإعلام، فمع انتشار مواقع التواصل الإجتماعي وما بات يصطلح عليه بالإعلام الجديد، بات من الصعوبة بمكان تحديد جغرافيا الإعلام وأسلوب التعامل معه، وزاد الطين بلة أن الأندية بشكل عام لم تعتبر حساباتها المحدثة في مواقع التواصل الإجتماعي، على أنها جسور للتواصل مع المحيط بكامله، للتخفيف من وطأة الإشاعات، بل تعدتها إلى إحداث ما بات يعرف ب«إعلام الأندية والمؤسسات» والذي يتجاوز الإطار الإخباري والتواصلي، ويتعداه إلى التضييق على وسائل الإعلام المستقلة.
ولا خلاف على أن هذا التوالد الرهيب لوسائل الإعلام، بخاصة منها المتواجدة في الفضاء الأزرق، قد أحدث أزمة كبيرة على مستوى النوع قبل الكم، فليس كل ما يؤثث الفضاء الإعلامي الوطني اليوم، مستجيب بالكامل لأحكام مهنة الصحافة وضوابطها بخاصة منها الأخلاقية، وأيضا ليس من العدالة في شيء أن توضع كل وسائل الإعلام في سلة واحدة الغث منها والسمين، المصداقي والمنتحل للصفة، كما أن لا أحد سيقبل أن يكون هذا الإعلام تحت وصاية أي جهة كيفما كان نوعها، قد يتعاطف بإرادته مع هذه المؤسسة أو ذاك الفريق، ولكن لا أحد يمكن أن يغصبه على خدمة هذه الأجندة أو تلك، والحال أن بين الفصائل المناصرة للأندية، من تريد من الصحافة أن تأتمر بأوامرها، وإذا فعلت غير ذلك، كان عاقا ومتطفلا ومرتزقا ومائعا، وما إلى ذلك من التوصيفات القدحية المنتشرة بيننا بشكل بديء.
إن أوجعني هذا التردي الملحوظ اليوم، في علاقة الصحفي الرياضي بمحيطه، تحت أي مبرر مهما كان موضوعيا، فلأنني كنت شاهدا عبر عقودي المهنية الأربعة على سمو العلاقة التي كانت تربطني وكل زملاء جيلي بمكونات الحركة الرياضية، علاقة صفاء وود واحترام وتقدير كامل للمسافة التي يفترض أن يقف عندها الصحفي الرياضي من الأحداث الرياضية ومن الفاعلين الرياضيين، وحتى في حالة الصدام الحاد لم تكن شعرة الود لتتقطع، وما كان مسموحا حتى في حالات السهو أو الخطأ أو التجاوز غير المقصود، أن يصل التعبير عن الغضب لما نرى له اليوم تعابير فاضحة وفاسدة بل ومفسدة للذوق..
إن الإحتقان الذي يسود اليوم علاقة الصحافة الرياضية بالفاعلين، يفرض أن لا نطيل الوقوف عند منصة الشك والخلاف والتلاسن، باكين أو محبطين أو حتى متأسفين، لأن ذلك لن يعمل إلا على إسقاط ما بقي من صرح الثقة، لذا هناك حاجة للتحرك في اتجاه وقف حالة الإحتقان وإعادة الود المفقود وإصلاح ذات البين، وتلك مسؤوليتنا جميعا، مؤسسات إعلامية ووزارة وصية وجامعات رياضية.  
ليقف جميعنا في قفص الإتهام، وليترافع كل منا بطريقته، وليبرئ أي منا ساحته، فإن نطقت المصلحة الوطنية بحكم، قالت فيه، «مكتوب عليكم العيش في جحر واحد».