لم تكن قد فارقت مخيلاتنا تلك الصور المروعة التي تناقلتها الوكالات ومواقع التواصل الإجتماعي حول العالم، عن الفاصل الدموي الجديد لتراجيديا العنف داخل الملاعب بالمكسيك، والذي خلف مقتل 17 شخصا من بين المناصرين وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حتى قذفتنا مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي بحمم مكروهة، أيقظت في مشهدنا الكروي تلك المشاهد المخزية، التي كنا نظن أنها سقطت من معيشنا الكروي، بخاصة مع زمن جائحة كوفيد 19 التي فرضت إخلاء المدرجات من الجماهير. 
مؤلمة وموجعة، بل ومحزنة بالطبع كل تلك الصور التي صدرتها المباراة، والتي تحكي عن أعمال عنف وشغب بدأت داخل مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط في أعقاب المباراة وامتدت لخارجه، فأسقطت الكثيرين بفعل جروح متفاوتة الخطورة، وأحدثت إتلافات وخسائر لمملوكات عمومية وخاصة، وأشاعت جوا من الهلع والترويع لدى ساكنة العاصمة الرباط في ذاك الأحد الأسود، وهو مشهد مكرر لأحداث عنف كانت قد اندلعت في محيط ذات الملعب قبل سنوات.
ظن بعضنا خطأ، أنه جرى تجفيف منابع ذاك الشغب وتطويق كل البؤر التي منها يطلع حارقا بل وناسفا، وقد نبهنا غير ما مرة، إلى أن الشغب هو بركان صامت، إن ركد للحظة، فإنه يظل قابلا للإشتعال في أي لحظة، وإن اشتعل أحرق كل ما يحيط بالمباريات.
كان يجب أن نعرف أن هذا الذي يحدث، إنما هو «الركود المريب» لفتيل الشغب، كان يجب أن نستشف ذلك من خطابات الكراهية التي يتم الترويج لها في مواقع التواصل الإجتماعي، وفي التشجيع على العنف اللفظي الذي يؤدي بسبب جمرة طائشة إلى عنف جسدي.
أيا كانت الأسباب والمبررات، فإن ما شاهدناه خلال مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي، لا يفسر بغضب الأنصار على خسارة فريقهم وتوديعه لكأس العرش، فلا أحد يمكن أن يصل لهذا الحد من الجنون والتهور ومن «الوحشية» أيضا للتعبير عن غضبه، ولا أن يكون فتيل الإحتقان قد اشتعل بسبب مناوشات بين مناصري الفريقين، فهناك مسببات أعمق لم تتمكن كل المقاربات التي أحدثناها من استئصالها من الجدور، لذلك هناك حاجة لتحيين استراتيجية مكافحة الشغب بكل تلاوينه، باستحضار الوازع الأمني والوازع الإجتماعي والوازع السيكولوجي فالوازع الأخلاقي، وبإعادة كل الذي انتهت إليه التداولات الوطنية من تقنينات جرمت العنف داخل الملاعب وفي محيط المباريات لمعترك النقاش، فهناك للأسف بنود من هذا القانون المجرم للعنف لم يتم تطبيقها ومنها منع القاصرين من الدخول للملاعب إذا لم يكونوا مرفوقين براشدين، والحال أن من تم ضبطهم متورطين بفعل العنف، هم أطفال قاصرون، وبعضهم لم يكن في حالة طبيعية.
إن الخسائر المروعة التي ترتبت عن شغب مجمع الأمير مولاي عبد الله، جسديا في صفوف رجال الأمن والقوات المساعدة وحتى بين المناصرين، وماديا على مستوى الممتلكات العامة والخاصة، تستدعي ردة فعل قوية، لا تقف عند مجرد معاقبة المتسببين المباشرين في هذا العنف المفرط بالإحتكام للقانون المجرم للعنف في الملاعب الرياضية، وإنما تتعداه إلى الوصول للمنابع الخفية التي تصدر هذا العنف في صوره المقيتة لتجفيفها. 
كما أن مصادرة هذا الإحتقان المفضي إلى العنف اللفظي فالجسدي، تمر عبر حظر تنقلات الجماهير مع نواديها خارج مدنها، إلا بنسب مقدرة ومضبوطة وقابلة للتقليص في حال حدوث أي انفلات، وتمر أيضا عبر تحميل الأندية مسؤولية التعريف بمناصريها وضبطهم بشكل لا يسمح بوجود تسلل لفئات تهدف بالأساس لإحداث الفوضى وإشاعة الخوف وترويع الناس، تماما كما فعلت اليونان في مواجهتها للعنف المتنامي قبل أشهر بملاعبها الرياضية.
ما كانت كرة القدم يوما مصدرا للموت والكراهية والعنف والتوحش، بل كانت دوما وأبدا مصدرا للسعادة وللإحتفال وللفرح الجماعي.