هل بالغ الأهلي المصري في لاءاته وتحذيراته وضغطه الرهيب على الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، منذ اليوم الذي أيقن فيه النادي المصري أنه ذاهب للنهائي الإفريقي الثالث له على مستوى عصبة الأبطال بعد رباعية ذهاب نصف النهائي أمام وفاق سطيف، متزامنة مع ثلاثية الوداد بأنغولا أمام بيترو أتلتيكو، وقد أفصح الكاف عن أن مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، هو من سيكون مسرحا للنهائي؟
أدخلنا الأهلي مدن الضباب بالغبار الكثيف الذي نفضه على مشهد النهائي، بغلوه من التحجج والتباكي والتشكيك في سلامة الإجراءات التي سلكها الكاف في تعيينه لملعب النهائي، ومن بلاغ لآخر، حسب الأهلي وظن بما فعل أنه يعجز أو حتى يرهب الكاف، لعله إن صمم الأخير على أن يلعب النهائي بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، جنى امتيازا يخفف عنه وطأة اللعب في معقل المنافس، في ملعب رعب منه يتطاير الشرر، ومع سقوط آخر أمل في نقض القرار، وقد أيدت محكم «طاس» المسطرة الإجرائية التي اتبعتها الكاف لتعيين ملعب النهائي، غير الأهلي من شكل اللعب، فحرر معلقة بمجموعة مطالب، إن قبلنا كمغاربة ببعضها واعتبرناها حقا مشروعا، رأينا في بعضها الآخر تبخيسا لقدرة المغرب على تنظيم نهائي من هذا النوع، وتقليلا من جودة تدبيره وإدارته لحدث رياضي لا يقاس بحجم الأحداث الكونية التي نظمتها المملكة بشكل مبهر ولم تطلها أي ذرة خطإ، وحصلت إزاءها على الكثير من الإشادات.
طالب الأهلي بالمناصفة من حيث المقاعد في ملعب النهائي، وحصل على ذلك بأن جرى تمكينه من 10 آلاف تذكرة، وطالب بتيسير حصول مناصريه على التأشيرة، فأبلغ أن كل التأشيرات ستكون موضوعة بمطار محمد الخامس، مطار القدوم بشكل استثنائي، وطالب بمعاملة تليق به وبجماهيره، فخصص لمناصريه معبر خاص أوصلهم بشكل إنسيابي إلى المدارج، ولا أحد تبرم ولا أحد اشتكى، إن لم يكن كل الذين حضروا من مصر أو من الجالية المصرية المقيمة بالمغرب، قد حظوا بترحيب كبير من المغاربة، وتلك صفات حميدة لكل المغاربة لا نمن بها على أحد.
وكم كان مفزعا ومحزنا، أن نقف على الحقيقة الصادمة، والكاميرات تظهر لنا المدارج لحظات قبل انطلاق المباراة، وهي أن كل الذي فعله الأهلي المصري، كان مجرد جعجعة في طحين، فلم تبلغ سلطات الملاحة الجوية بالمغرب عن وجود أسطول جوي استثنائي يصل القاهرة بالدار البيضاء لنقل مشجعي الأهلي، وما شاهدناه بأم العين أن المنطقة المخصصة لجماهير الأهلي لم تمتلئ حتى بنسبة عشرة بالمائة، فقد شاهدنا كيف أن لافتات عملاقة غطت المئات من المقاعد في منطقة «المكانة»، لعدم وجود الجماهير المناصرة للأهلي بالأعداد المطلوبة، بينما جرى تشتيت الآلاف من مشجعي الوداد الرياضي، ممن لم يتوفروا على التذاكر، من محيط الملعب لإزالة أي فتيل للإحتقان أو الشغب.
فهل يستحق الأهلي المؤسسة العريقة، أن يسأل عن هذا اللغط والجدل الذي أحدثه في هوامش المباراة، جدل أراد أن يضغط به على الكاف وعلى الوداد، ولكنه أصاب به للأسف لاعبيه، فكانوا بكل أمانة خارج النص تماما.
وبرغم أنني لا أجنح كثيرا لعقد المقارنات، لأنني أراها ظالمة لوجود فوارق كثيرة لا تسمح بذلك، إلا أنني مصر على أن أعقد مقارنة بين ما تداعى على هامش نهائي عصبة أبطال أوروبا بين ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي هناك بباريس، بملعب سان دوني، من أحداث مشينة، تفضح هشاشة التنظيم، وهي اليوم موضوع تحريات ومساءلات واعتذارات، وبين ما شهده نهائي عصبة الأبطال الإفريقية بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء من جودة في التنظيم، لم يسجل معه أي انفلات من أي نوع، فلا شغب ولا عنف ولا تهور، بل على العكس من ذلك، سلاسة في التنظيم، إلى الحد الذي جعل جياني إينفانتينو رئيس الفيفا يرفع القبعة للمنظمين المغاربة الذين أمنوا مع مسؤولي الكونفدرالية الإفريقية محيط وهوامش النهائي من كل المشاهد المفسدة لجمال الصورة، وهو تقدير وتنويه لا يختلف في مبناه عن الإعجاب الذي أبداه وفد عن اللجنة المنظمة لكأس العالم بقطر، والذي يقول بأن للمغرب تقاليد راسخة في تنظيم الأحداث الكبرى بأقل قدر من الأخطاء.
إنتهى إذا نهائي الأشقاء، فاز من فاز، وتوج باللقب من يستحق بقوة الكفاءة وبقواعد الملعب العادلة، ولا نعتب على الأهلي المصري بأي شيء، بل إننا نرجو أن يقبل إعتذارنا إزاء أي تقصير، وتلك هي كرة القدم، لحظات فرح وحزن تتداول بين الناس.