قضي الأمر الذي كنا عليه مجمعين، بصرف النظر إن جاز أم لا الحديث عن إجماع، وقد أبدى بعض منا تحفظه على قرار الإنفصال بالتراضي عن المدرب وحيد خليلودزيتش، بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال قضاها الرجل مشرفا على العارضة التقنية لأسود الأطلس.
ما حدسناه وما توقعناه وما كانت تجمع عليه المؤشرات وما كانت تقوله مصلحة الفريق الوطني، حصل والجامعة تبلغنا من خلال بلاغ لها الخميس الماضي، بأنها وضعت نقطة نهاية لعلاقة البوسني بالفريق الوطني، واختارت لتعليل الإنفصال جملة تختصر كل شيء «الإختلافات وتباين الرؤى، حول الطريقة المثلى لتهييء الفريق الوطني لنهائيات كأس العالم قطر 2022». 
والحقيقة أن خليلودزيتش فعل بشكل إرادي تارة وبشكل غير طوعي تارة أخرى، كل ما يمكن أن يؤلب عليه الرأي العام الرياضي المغربي، كل ما يمكن أن يخرج بعض اللاعبين من طوعهم، وكل ما يجعل الإعلام متصديا له بغارات النقد، كل ما يخرج الفريق الوطني من هدوئه وتوازنه، وكل ما لا تستطيع الجامعة السكوت عليه، فعلا وقولا.
فما كان فعلا، أن الفريق الوطني لم يعثر في السنوات الثلاث التي كان وحيد فيها مؤتمنا على تدبيره تكتيكيا وفنيا، لم يعتر على هويته المفقودة، ولم يتبين لأسلوب اللعب المقترح من وحيد لا شكلا ولا مضمونا، إذ برغم ما تحقق من نتائج فإن الأداء الجماعي سجل الكثير من التراجعات.
وما كان قولا، درجة الإسفاف التي بلغها وحيد خليلودزيتش في تدبير العرين، وفي مخاطبة الجماهير المغربية التي تضع فريقها الوطني في مرتبة القداسة، وفي الرد على أسئلة الإعلام، ويدلكم هذا العدد الذي توثق من خلاله «المنتخب» لحدث الإنفصال عن البوسني وحيد في 4 صفحات، على بعض من الهرطقات الكلامية، التي إن أضيفت للهلوسات التكتيكية، كانت كافية لكي لا نزيد في تعتيم الصورة وتقبيح المظهر واستفزاز المشاعر.
يحتاج الفريق الوطني قبل دخوله رهان المونديال بعد أقل من 100 يوم، إلى ما يعيد الهدوء والطمأنينة وروح التفاؤل لعرينه، ومهما حاول وحيد إقناعنا بأنه تاب وكفر عن خطاياه، فإنه لن يستطيع أن يقنعنا بأنه في هذه السن، وهو القادم من مدينة الإسمنت المسلح، قد تحول من النقيض إلى النقيض، أنه فتت خلايا دماغه المتصلبة، وأنه تغير 180 درجة على سلم الحكمة والرصانة والكياسة في تدبير شأن الفريق الوطني.
لا شيء مما عشناه وشاهدناه وسمعناه، ما تجاوزنا عنه وما لم نستطع أن نبتلعه لأنه كان بطعم المرار، يقول مهما اخترنا له من مقاربات، أن الإبقاء على وحيد في هذا التوقيت بالذات هو عين العقل وأن الإنفصال عنه في هذه السياقات الزمنية الحساسة هو فعل انتحاري، فلو تصورنا فظاعة ما سيحصل مع مدرب غير وحيد، فإنها لن تكون بذات الفظاعة التي سيكون عليها الأسود مع وحيد في المونديال وقد أنبأتنا بذلك الوقائع التي لا تكذب.
بالطبع سيأتي للفريق الوطني مدرب وناخب وطني جديد، إن قالت القرائن والمستندات التقنية التي قلبناها معا، أن الخيار الأمثل لهذه المرحلة بحمولاتها وثقلها هو وليد الركراكي، فإنه سيكون من الصعب جدا أن نتصور بأن وليد المقبل على ذروة المنافسات الكونية التي هي كأس العالم، والذي لا يملك من الزمن الإعدادي إلا اليسير، والأكثر من ذلك سيواجه منتخبات استقرت منذ وقت طويل على مدربيها وأسست لنفسها هوية وأسلوب لعب ونمط عيش وضعها في مصاف العمالقة، من الصعب جدا أن نحمل وليد ما لا طاقة له به، فعين العقل أن نربط وليد الركراكي أو من سيكون ناخبا وطنيا للفترة القادمة، بالرهان الحقيقي الذي هو من مقاسنا، رهان المنافسة سنة 2024 بكوت ديفوار على اللقب الإفريقي الذي لم نكحل عيوننا به منذ وحيد زمانه، اللقب الإفريقي لسنة 1976.
مع رحيل وحيد، ستنقشع غيمات، وستنسحب من سمائنا سحب دكناء، وسيعود لمستودع ملابس الفريق الوطني الهدوء المفقود، وستحل الإبتسامات عوضا عن العبوس و«التكشيرات»، وستطرد السعادة بالتئام العائلة كل مشاعر البؤس والشقاء، وهذا في حقيقة الأمر هو عز الرجاء.