بالقطع لا أحد يختار لنفسه طريقا فيها يضيع ولا يستدل على شيء يعفيه من عناء وتعب وهول المتاهات، ولكن لا أحد ممن ضاعوا أو دخلوا طريقا تفضي إلى المتاهة، لا يتحمل مسؤولية أنه هو من تسبب في فقدان البوصلة والعبور إلى الممرات المحظورة، لذلك يسأل سعيد الناصيري رئيس الوداد الرياضي، في أنه أخد فريقه ربما من دون عمد أو تعمد إلى متاهة تقنية كان في غنى عنها، وهو الذي يفترض أن يكون قد أصبحت له مناعة ضد الهلوسات والقرارات التي لا تحتكم لمنطق الخبرة والمرجعية وتنتهي بارتكاب أخطاء تدبيرية لا تليق بفريق بطل على قارته وبطولته المحلية، فريق يفترض أن تكون له حصانة ضد بعض وليس كل أشكال الضياع.
من دون حاجة للبحث عمن يكون المذنب والجاني في القطيعة التي حصلت مع المدرب الحسين عموتا الذي قدم نفسه على أنه البديل المثالي لطيب الذكر وليد الركراكي، الذي غادر العارضة التقنية للوداد وقد قاده للتتويج بلقبين تاريخيين، لقب عصبة أبطال إفريقيا ولقب البطولة الإحترافية، وحدث ذلك بكيمياء عجيبة، فوليد فعل ما فعل وهو يحتكم على قاعدة بشرية ضيقة جدا، بفعل ما نزل من أحكام على الوداد تحول بينه وبين دخول سوق الإنتدابات.
بدا واضحا وكأن سعيد الناصري وهو يتوجه للتعاقد مجددا مع عموتا الذي كان أول من قاد الفرسان الحمر للجمع بين اللقبين (عصبة الأبطال والبطولة الإحترافية) سنة 2017، قد أمسك باليد التي تؤلمه، فإعادة عموتا للعارضة التقنية للوداد ليخلف وليد الركراكي، لم يأت في كل الأحوال بمحض إرادة سعيد الناصيري، حتى لو كان الأخير قد قال، أنه مستعد من أجل الوداد لأن يضغط على نفسه ويلجم كبرياءه.
ومع فارق الرؤية والفلسفة بين الركراكي وعموتا، إلا أن الوداد برغم خسارته للسوبر الإفريقي أمام النهضة البركانية، بدا منسجما مع صورته التقنية التي صدرها الموسم الماضي، أي أن عموتا لم يجازف أبدا بنسف القاعدة التي عليها اشتغل وليد، والدال على ذلك، نتائج الوداد محليا وإفريقيا، والأكثر من ذلك أن الفريق بدا وكأنه شرع في صناعة قدرة جديدة بفعل الإنتذابات التي أنجزت صيفا.
للأسف مع أول «غلطة» يرتكبها الحسين عموتا، وكلنا منشغل بكأس العالم وبالحضور الملحمي لأسود الأطلس في المونديال، سينقض سعيد الناصري على الفرصة وسيمسك بعموتا متلبسا بتهمة ترك الفريق والجلوس في مجلس قناة الكأس القطرية، ويقرر باسم أحكام العقد، الإنفصال عنه بتهمة الإخلاء بالواجب.
هل انتصر الناصيري لكبريائه؟ أم انتصر لمصلحة فريقه؟
ما سيعقب هذه الإقالة «المعللة» بقوة ما يتضمنه العقد، سيقول ألا مصلحة جناها الوداد من الإنفصال عن عموتا، ولا خير رآه الفريق من هذا التغيير الذي حدث على مستوى العارضة التقنية، لأسباب لا تمت للوضع التقني بصلة.
لا أعرف من دل الناصيري على المدرب التونسي المهدي النفطي، لكن ما سنشاهد عليه الوداد لأزيد من عشر مباريات، كان بالفعل شيئا مفزعا، تخريب للذات وللمرجعية واستهداف واضح لفلسفة اللعب التي هي من عمادات الشخصية الحمراء.
لا نية لي على الإطلاق في مساءلة السيرة الذاتية للمدرب الشاب النفطي، ولا حتى أهليته، كما لا أحبذ إطلاق أي حكم قيمة على المهدي الذي ظن البعض، وكان الناصيري أولهم، أنه سيكون نسخة مقربة من وليد الركراكي (حتى أن هناك من قال بأن وليد هو من أوصى الناصيري بالتعاقد مع النفطي)، إلا أن ما أعطي النفطي من زمن رياضي ومن فسحة تنافسية، لم يسعفه لكي يقدم نفسه كبديل مثالي لعموتا، ومجسد تقني لوليد ولا كمدرب يليق بالوداد فكرا ورؤية ومهارة في تدبير وإدارة فريق بطل.
قال المهدي أنه أحضر للوداد ما كان غائبا عنه، النجاعة الدفاعية واستدل على ذلك بعدد الأهداف التي سجلت في مرمى التكناوتي، وعلى هشاشة هذا الطرح، لطالما أن الوداد كان دائما صاحب مناعة دفاعية، فإن الوداد سيقدم نفسه تحت إمرة النفطي بشكل سيء للغاية، فريق بشرايين تكتيكية مخنوقة، وفريق يجد عسرا كبيرا في التهديف، وفريق بدأ يفقد تدريجيا نظارته وبهاءه، بل تأكد جميعنا مما شاهدناه في الخمس مباريات الأخيرة على مستوى عصبة الأبطال والبطولة الإحترافية، أن الإبقاء على النفطي مدربا هو بالفعل شروع في الإنتحار.
بعد الصورة المشوهة التي قدمها الوداد عن نفسه في مباراة بيترو أتلتيكو برسم ثاني جولات دور مجموعات عصبة الأبطال، سيفعل الناصري مكرها بند الإقالة، سيصرف من خزينة الوداد «المنهكة»، ثلاثة أشهر كمؤخر صداق للنفطي، وعلى الفور سيعلن تعاقده مع الإسباني كارلوس غاريدو، الذي يعود مجددا للوداد، ليخلص الناصري لعادة ما تخلى عنها منذ وصوله رئيسا للوداد، الإنفصال عن مدربين ثم العودة للإرتباط بهم، حدث ذلك مع فوزي البنزرتي مرتين، ومع الحسين عموتا واليوم مع غاريدو.
ما الذي تغير في الوداد وتحديدا في غاريدو، حتى يكون هو المدرب الأجدر بالمرحلة والأقدر على رفع التحديات الكبيرة لوداد لا يطيق العيش بعيدا عن منصات التتويج؟
وهل غاريدو الذي تم ترحيله عن الوداد سنة 2020 بسبب سوء النتائج، بإمكانه أن ينتشل الفريق من هشاشته التكتيكية ويقدمه بصورة الفريق البطل الذي يحتكم لرصيد بشري قوي؟ 
إن كان الناصيري أخطأ الإختيار بالتعاقد مع النفطي لتصحيح خطإ الإنفصال عن عموتا، فإن هامش الخطإ مجددا بالتعاقد مع غاريدو، أصبح ضيقا للغاية، وقد لا يعذر سعيد الناصري هذه المرة إن ساء اختياره لبديل النفطي، بكل الألقاب التي نالها الفرسان الحمر على عهده.