لن نختلف مع صانع السعادة المدرب والناخب الوطني وليد الركراكي، في أن ودية البرازيل التي تفتح للفريق الوطني مسارا جديدا يعقب موندياله الأسطوري بقطر، تمثل حلما واحتفالية وفضاء لتقاسم العرفان والإمتنان بين أسود الأطلس وجماهيرهم التي كانت نعم السند لهم في رحلتهم المونديالية التاريخية، وهي أيضا ودية ترافقها الكثير من الأسئلة التي هي من طبيعة الإرث الثقيل الذي خلفه كأس العالم، ومن جنس الضغط الرهيب الذي يقع على عاتق اللاعبين، ومن طينة المسؤولية الثقيلة التي يطوق بها عنق وليد الركراكي، حيث سيكون الزمن الجديد، هو زمن الدخول للتاريخ من بوابة جديدة غير تلك التي دخل منها لقلوب الملايين وهو يوقع على مونديال تاريخي.
إستمتعت مؤخرا بمجالسة الناخب الوطني وليد الركراكي، وقد استضافه حلقة الإثنين الماضي من برنامج «دريم تيم» الذي يبث «على قناة إم بي سي 5»، مقدما باقتدار من زميلي الإعلامي الكبير جلال بوزرارة، وكانت فرصة مجددة لأستكشف جبال الطموح الراسية في فكر وليد، ولأقف على الفلسفة التي يشتغل بها اليوم وهو ناخب وطني، فلسفة تقوم على الإستثمار في الإرث لاستدامة النجاح، بإلتزام أعلى درجات التواضع، لذلك يعتبر وليد ودية البرازيل بطنجة، المنتخب المصنف عالميا، هدية للجماهير المغربية التي كانت أولى من غيرها بمشاهدة منتخبها الوطني يلعب أمامها هنا بالمغرب في أول خروج له بعد المونديال، ولكنه يعتبرها المرآة التي ستعكس حقيقة هبوط أسود الأطلس من برجهم المونديالي الإيفواري، ليبدأوا بنفس النهم والعطش والجرأة رحلة الصعود الجديد نحو القمم.
قال وليد الركراكي لأسوده بعد صافرة نهاية مباراة الترتيب أمام المنتخب الكرواتي والتي وضعتهم في المرتبة الرابعة للمونديال: «سندخل لنحتفل مع ملكنا ومع جماهيرنا بهذا الإنجاز الكروي التاريخي، لكن علينا بعد ذلك أن ننزل للأرض لنبدأ رحلة من نوع آخر، رحلة نريدها أن تنتهي بنا إلى قمة الكرة الإفريقية، فالرهان بعد اليوم هو الفوز بكأس إفريقيا للأمم بكوت ديفوار».
وقطعا لن يكون لهذه الجمل المنتقاة بدقة من مدرب يريد أن يكون للاعبيه المجسم الكبير للفكر التنافسي والمرآة العاكسة للطموح المتجدد، أي معنى إذا لم يتعامل لاعبو الفريق الوطني مع ودية البرازيل، بالجدية التي لازمتهم طوال رحلتهم المونديالية، بسعار الفوز الذي سكنهم في قطر وبالإصرار على البقاء طويلا في حضيرة النخبة الكروية العالمية.
وأي مباراة مع منتخب البرازيل، أكانت رسمية أم ودية، في أي زمان وفي أي مكان، هي بالتأكيد حدث إستثنائي، بالطبع لأن من سيقف فريقنا الوطني في مواجهته، هو منتخب البرازيل المصنف الأول عالميا وصاحب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بكأس العالم، ومستودع الكثير من الأساطير الذين يزينون هامة كرة القدم العالمية، إلا أن الإستثناء في هذا النزال الودي، هو أن منتخب البرازيل يفتتح مساره الجديد وهو خارج بخيبة أمل كبيرة من كأس العالم الأخيرة، وقد أكره على مغادرتها من الدور ربع النهائي بعد الخسارة أمام كرواتيا بركلات الترجيح، فيما يعود المنتخب المغرب لمسارح التباري وهو نازل من برج جميل كان أول منتخب عربي وإفريقي يصعد إليه في كأس العالم، فمن يحدوه الأمل والطموح لطي صفحة الألم هو منتخب البرازيل ومن يرغب في الإبقاء على روح المونديال هو المنتخب المغربي، وأيا كانت المحفزات التقنية والذهنية، ومهما اختلفت أو تعارضت، فودية طنجة ستكتب بلا شك تاريخا جديدا للفريق الوطني، وكم سيكون رائعا لو حقق الأسود فوزهم الأول على منتخب لاتيني، حتى لو كان بحجم راقصي الصامبا، فوز سيكون امتدادا لزمن الملاحم، فوز يؤكد من خلاله الأسود لمدربهم وليد الركراكي ولنا جميعا، أنهم أهل للحفاظ على الإرث المونديالي الجميل وأهل لاستدامة النجاح.