على الشوك، أو على جمر النار مشى الحسين عموتا من دون أن تجرح له إرادة وعزم، ومن دون أو يحترق له حلم، فقد مشى الرجل واثقا من قدرته على صنع المستحيل مع المنتخب الأردني الذي دخل كأس الأمم الأسيوية مغمورا، رقما صغيرا في معادلة الترشيحات، فخرج منها وهو يشار إليه بالبنان، يُرفع على الأكتاف وتُكتب فيه قصائد المديح، وكيف لا تحتفل الأردن كلها، قيادة وشعبا بالمدرب المغربي الحسين عموتا، وقد أوصل منتخب النشامى ليكون وصيفا للبطل لأول مرة في تاريخه، محققا في تصوري وعند رسم الحقائق، ما يمكن أن نصطلح عليه ب«المعجزة الرياضية».

علمنا الحسين عموتا أشياء كثيرة ونحن نطارده في سفره الجميل في المونديال الأسيوي بقطر الذي ما انتهى إلا ومنتخب النشامى يكتب واحدة من أجمل القصص، بل وأكثرها إلهاما ودلالة على العبقرية.

علمنا الحسين عموتا كيف يحيى المدرب ويموت بأفكاره، لا يتزحزح عنها، صحيح أن يطورها ويكيفها ويعطيها ألقا جديدا من وحي التجارب التي يراكمها، ولكنها لا يفرط فيها، لأنه تبناها من أول يوم عن قناعة، والذين عابوا يوما على عموتا، أنه متصلب في أفكاره، شديد الإرتباط بالوجه الدفاعي لشاكلة اللعب، رأوا بأم العين أنه نجح في أصعب لبنة يقوم عليها أسلوب اللعب، والذين يقللون من المنظومة الدفاعية، فلأنهم لا يعرفون كيف تبنى وكيف تشتغل. علمنا الحسين عموتا أنه مدرب واقعي، والواقعية في كرة القدم أن تجعل من أسلوب اللعب كيفما كان نوعه، جلبابا يوضع على اللاعبين بالمقاس، لذلك شاهدنا منتخب الأردن يشعل كأس أسيا بجماعية الأداء وبانضباط المجموعة وبروح الفريق، أكثر مما يبهرنا بأداء ومهارة لاعبيه، وأولهم يزن النعيمات وموسى التعمري.

علمنا الحسين عموتا، ما عرفناه عن الكيميائيين، الذين يحولون الجمرة إلى ثمرة، فما أعطي إياه قبل المونديال الأسيوي، فريق أردني لا يزن الشيء الكثير في ميزان الترشيحات، بل كان أكثر المتفائلين ينتظر أن يتوقف قطار النشامى عند محطة الثمن، وكيف لنا أن ننسى ما قالوه عن عموتا وفريقه يتجرع هزائم بحصص ثقيلة في وديات كانت لعموتا بمثابة بروفات، لهندسة الأسلوب الذي خرج من رماد الإنتقادات المحبطة، ليرسل في المدى ضوء نيزكيا جميلا، فكان المنتخب الأردني فاكهة هذه البطولة وفارسها غير المتوج بلقب البطولة. وعلمنا الحسين عموتا، كم نكون نحن معشر الصحفيين والمحللين، قاسين، بل وظالمين عندما نصدر في حق اللاعبين والمدربين والأندية والمنتخبات على حد سواء أحكام قيمة، فنصف كل هؤلاء عند الإخفاق، بالفاشلين الذين لا يرجى منهم شيئا، فتبهتنا نجاحاتهم، وقد كان عموتا واحدا من هؤلاء، فالرجل البارغماتي والأكاديمي والكيميائي الذي تدل سيرته وألقابه مع الأندية ومع المنتخبات، على نبوغه، هاجوا عليه وماجوا يوم خرج من دور الربع مع منتخبنا المحلي في كأس العرب بقطر، ولم يلتمسوا له عذرا ولا حكما مخففا، وفي قطر نفسها جعل عموتا كل هؤلاء، وحتى إعلاميي الأردن الذين هاجموه عند خسارته للوديات، يعتذرون له، وأنا من يعرف جيدا أخلاقه وتساميه، أعرف يقينا أنه سيقبل إعتذارهم.

شكرا الحسين عموتا، فقد شرفت وطنك وزملاءك بهذا الإنجاز الكروي الرائع، شكرا أنك قدت منتخب النشامى الشقيق لكتابة التاريخ، شكرا لكل فريق عملك من أبناء المغرب البررة، مصطفى الخلفي، هشام الإدريسي وحسن اللوداري..

هنيئا لقطر تتويج منتخب العنابي باللقب الأسيوي للمرة الثانية تواليا، وهنيئا لقطر تنظيمها الرائع لكأس أسيوية صممت بأسلوب مونديالي.