طغت احتفالات الجماهير على ديربي العرب الذي جمع بين الرجاء والوداد البيضاويين في ذهاب ثمن نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، بعدما تحدَّت هذه الجماهير المباراة التي دارت على أرضية الملعب بإقامة مباراة أخرى، من نوع خاص، أكثر إثارة وقوة وجمالية على المدرجات. فقد رسم جمهور الغريمين لوحات إبداع بـ"التيفويات" موغلة في التفنن والابتكار، وفيها الكثير من الخيال والسحر والإبداع والفانتازيا!

الصور التي نقلتها كاميرات "الدرون" وهي "تسبح" في سماء المركب الرياضي محمد الخامس وتجري مسحها التصويري لكل ما يدور في المدرجات، منحتنا صورا غاية في الروعة والجمال والإبداع، وكأنها قادمة من كوكب آخر.. وصدق معلق قناة أبوظبي الرياضية التي نقلت المباراة عندما قال مرارا وهو يعلق على تفاصيلها بأن هذا الحدث يشبه نهائي عصبة الأبطال الأوروبية، أو نهائي كأس "الليبرطادوريس"!

أمواج بشرية حمراء، وأخرى خضراء.. وأدخنة تتصاعد بذات اللونين.. وصور عملاقة مختلفة الشكل والمضمون تتراقص على نسمات الأمسية الصاخبة.. وهتافات المشجعين تخترق بضجيجها سكون المكان، وتفرض نفسها على كل الأصوات.. في خضم هذا الصخب كانت جماهير الطرفين تنتظر الفرج، وكان كل طرف ينمي النفس بأن يُصبَغ هدف السبق بلون فريقه.. الأخضر للرجاويين والأحمر للوداديين..

نصف ساعة فقط على انطلاق المباراة وقع ما لم يكن في حسبان الرجاويين، فتغيرت، إلى النقيض، ملامح الوجوه في مدرجات الرجاء.. تجهم، واكفهرار وعبوس وغضب، ودموع! هؤلاء يضربون الأكف بالأكف! وأولئك يعضون على الأنامل من الغيظ! وآخرون يبتلعون ريقهم بصعوبة من الحنق! هدف السبق، نزل عليهم كالصاعقة، (من توقيع إسماعيل الحداد) بعد خطإ فادح من بدر بانون الذي تردد في قطع الكرة!

وصار بانون حديث الجميع، وتكرر لحظتها، وبالمئات، السؤال العريض الذي يتردد في كل مرة فيما يشبه الجدل العقيم، هل يصلح بانون لحمل قميص المنتخب!؟

بانون مدافع أنيق، فيه الكثير من ملكات كبار المدافعين الذين يتميزون بالإبداع في التمرير العميق والدقيق، ويبرع في صناعة الانطلاقات القوية، كما يبرع في التمركز الجيد لاستلام الكرات.. لكن كل ذلك لا يمنكه أن يخفي الكثير من نقاط ضعفه أبرزها عدم الاحتكاك، وعدم قدرته على التدخل بقوة، كما يصعب عليه قراءة لحظة الانطلاق لقطع الكرات.. وبسبب هذا النقص وقع عدة مرات ضحية أخطاء قاتلة ومميتة لا تشفع له كل المبررات لقبولها.  

وشعر بانون لحظة الخطإ الفادح بأن الأرض اهتزت تحت قدميه، فكيف يرضى لنفسه أن يكون السبب في إصابة جماهير "الخضراء" بالذبحة القلبية؟ وكيف له أن يصحح الخطأ ويعيد فريقه لخط التكافؤ على الأقل؟ ومن حسن حظ بانون أن زميله نغوما أنقذ الموقف ومنح الرجاء هدف التعادل في الوقت المناسب، وأنقذ في نفس الوقت بانون من عذاب الضمير، ومن عتاب كبير قد يصعب عليه تحمله وزره لو خرج الرجاويون من المباراة بالخسارة.. لأن الخسارة أمام الوداد بالذات مهما كانت صغيرة في الرقم، فإنها في ضخامة ثقل رهيب يهد الأكتاف!!