في واحدة من المباريات القليلة المنصفة والتي احترمت منطق القوي والأفضل، حقق الرجاء البيضاوي تأهله المستحق لربع نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، وهي مباراة سيظل الرجاويون يتذكرونها كثيرا بسبب كل الأحداث المثيرة التي أفرزتها، والتي يصعب أن يصدقها عقل!

فكيف يعقل أن تخاض المباراة في ربع ساعة فقط، وليس في 90 دقيقة، فقد كان الرجاء البيضاوي "ميتا سريريا" (من حيث النتيجة 1 - 4) إلى حدود الدقيقة 73، ولم يكن أكثر المتفائلين في الرجاء آنذاك يتوقع أن يتمكن النسور من تقليص الفارق على الأقل، كما لم يكن أشد المتشائمين في صفوف الوداد يتصور أن بمقدور الرجاويين أن يسجلوا ولو هدفا واحدا. فما بالك بأن يدركوا التعادل.

مع صدمة الأهداف المتتالية اختلطت أوراق النسور، وبدا أن الارتباك سيكون له مفعول "السم" في جسد الرجاويين، وبات من سابع المستحيلات أن ينهض "الخضر" من العثرة الكبيرة التي أصيبوا بها.. في وقت بدأ فيه الوداديون يحتفلون بالفوز الكبير، وبالتأهل الأسطوري، لأن النتيجة الكبيرة في الرقم كانت ستدخلهم التاريخ، وستؤدي بالرجاويين بالتالي إلى طأطأة الرأس طويلا!!

لكن النسور لم تستسلم، وظل محسن متولي، نجم المباراة، حتى وهو يترنح على كل الواجهات كيفما يريد، وبالشكل الذي يريد.. يمرر ويتوغل ويخترق ويصنع الفرص.. ظل، مع كل هذا، يلوح بيديه تارة إلى الجماهير لتواصل دعمها ومآزرتها، وتارة إلى زملائه اللاعبين حتى يستفيقوا من الصدمة، ويستمروا في البحث عن تقليص الفارق، فلا مجال للاستسلام أبدا رغم ضيق الوقت.. ولا داعي للتذكير بأنه سجل هدفين من ضربتي جزاء، أو أنه كان وراء تمريرة هدف التأهل.. وقد أكد متولي أن المدرب السابق كارطيرون أخطأ في حقه كثيرا وفي حق الرجاء عندما أبقاه رهين كرسي الاحتياط في مباراة الذهاب.

أعرف متولي جيدا عندما كان يحمل لوحده نادي الوكرة على كيفيه، ويصنع به العجب العجاب في الدوري القطري، وأعرف أيضا كيف كان يستند الريان على خبرته ومهاراته ليحقق الانتصارات المطلوبة، وأعرف كذلك كل النزوات وكل الطيش وكل السقطات التي تجعله أحيانا يخرج عن الصواب، ويفقد صورة اللاعب المحترف المنضبط والمثالي.. لكن متولي تجده دائما في المباريات الكبيرة، وفي الشدائد، مقداما شجاعا مثل مقاتل جسور في ساحة الوغى!

كان متولي مؤمنا حتى العظم بالمعركة الأخيرة.. كان يدرك أن الرجاء حتى وقد تلقى 3 "طعنات غادرة" في وقت صعب، يستطيع تطويع الكثير من آليات اللعب والعودة للمباراة من بعيد، كان يعلم أن زملاءه اللاعبين لديهم من التجربة ومن الحدس الكروي ومن العزم والحماس ما يجعلهم يتحولون إلى جبل ضخم من العطاء في وقت الشدة.. لذلك ظل يحفزهم ويستنهض فيهم الهمم والقتالية إلى أن تحقق ما كان يصعب مجرد تصوره.. وهو التأهل.

لم يسرق الرجايون تأهلهم المستحق.. ولم يسلبوا الوداد هذا التأهل الفريد الذي كان في وقت من الأوقات مصنفا بالنسبة للنسور ضمن "فئة المستحيل"! لكنهم انتزعوه بالجهد الكبير وبإيمانهم المطلق بأن العزيمة والإصرار يؤثيان أكلهما ولو بعد حين.

مبروك للرجاويين تأهلهم المستحق.. ومزيدا من التألق للموهوب الكبير متولي، لكن يجب التذكير أن انتفاضة الرجاء التي أنست النسور كل الهفوات الدفاعية القاتلة، لن تنسي المدرب جمال السلامي بالتأكيد أن "التهور الدفاعي" الذي يعاني منه الفريق باستمرار يجب أن يوضع له الحد، ويجب أن يجد له علاجات جذرية، وإلا فإن النسور ستظل تدفع الثمن غاليا جدا.. جدا!