انتقل الإيطالي ماكسيم مباندا من الخط الثالث في رياضة الركبي، الى الخطوط الأمامية لمكافحة فيروس كورونا المستجد، مع عمله كمسعف متطوع يسعى لمساعدة سكان بلاده التي تحولت الى أكبر بؤرة لـ"كوفيد-19" في أوروبا حاليا.

كان من المقرر ان يخوض مباندا السبت الماضي مباراة ضد منتخب إنكلترا أمام نحو 60 ألف متفرج في روما، في مشاركته الحادية والعشرين مع بلاده... لكن كما غالبية النشاطات الرياضية حول العالم، أرجئ هذا الموعد الى تاريخ لم يحدد، في ظل التفشي العالمي لوباء "كوفيد-19".

وبدلا من الحضور على المستطيل الأخضر بزيه الرياضي، بات اللاعب البالغ من العمر 27 عاما متدثرا ببدلة وقناع طبيين واقيين، يرافق طواقم الاسعاف الى جانب متطوعي "الصليب الاصفر" في بارما، في إقليم ايمليا رومانيا في شمال إيطاليا، البلاد التي سجلت حتى صباح السبت وفاة 4032 بسبب الفيروس منذ بداية شباط/فبراير الماضي.

وباتت عدد الوفيات في إيطاليا الأعلى عالميا، وتجاوز الحصيلة في الصين حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر الماضي. ووصل عدد المصابين في البلد الأوروبي الى أكثر من 47 ألفا.

واتخذت الحكومة الإيطالية في وقت سابق من الشهر الحالي، قرار بتعليق كل المنافسات الرياضية حتى الثالث من نيسان/أبريل المقبل على الأقل. ومع تزايد أعداد الإصابات والضحايا، شدد حكومة جيوزيبي كونتي من إجراءاتها، وصولا الى فرض عزل شبه كامل على السكان وإقفال الأماكن العامة والمحال التجارية، باستثناء الصيدليات ومتاجر المنتجات الغذائية.

ويقول مباندا لوكالة فرانس برس "عندما ألغيت منافسات الركبي، سألت نفسي كيف يمكنني تقديم المساعدة من دون كفاءة طبية؟"، قبل ان يختار منظمة "الصليب الأصفر التي توفر خدمة نقل الأدوية والغذاء للمسنين".

وبعد يوم كامل أمضاه في توزيع الأقنعة والوجبات الغذائية والمساعدات الطبية، رأى المعنيون ان البنية الجسدية القوية للاعب نادي "زيبري ركبي" تصلح للإفادة منها في مجال آخر.

ويوضح مباندا انه وجد نفسه "على الجبهة، في قلب الأزمة (...) بت أقوم بنقل المرضى الذي ثبتت إصابتهم بالفيروس، من مستشفى الى آخر في المنطقة. أساعد في وضعهم على الحمالة، أو اذا كان هناك مرضى يجب نقلهم من كرسي متحرك، أو حتى أحمل قارورة الأوكسيجين".

- كلام العيون -

وتابع "إذا رأى الناس ما أراه أنا في المستشفيات، لن يقف أحد في الصف أمام المتاجر الاستهلاكية. سيفكرون مرتين وثلاث وأربع مرات قبل الخروج من منازلهم، حتى مجرد الخروج للجري".

وأضاف "ما أراه هو أشخاص من كل الأعمار يضعون أجهزة التنفس والأوكسيجين، أطباء وممرضون يعملون ما بين 20 و22 ساعة، لا ينامون ولو لدقيقة واحدة طيلة اليوم ويحاولون فقط الاستراحة قليلا".

وتابع "أرغب في ان أقول ان الوضع بلغ مداه الأقصى، لكنني أخشى اننا لم نصل الى ذلك بعد"، في إشارة لاحتمال ان يسوء الوضع أكثر.

يؤدي اللاعب الإيطالي الذي لا يتمتع بأي خبرة في المجال الطبي، لكنه يحظى بدعم من صديقته الحميمة ووالده الجراح في ميلانو "المتواجد أيضا في الصفوف الأمامية"، أيضا دور المعالج النفسي في ظل تواصله الوثيق مع المرضى الذين وُضعوا "في أقسام بات الموت فيها أمرا يوميا".

ويتابع "عندما ترى نظراتهم... حتى وإن كانوا لا يقوون على الكلام، فهم يتواصلون بالنظرات ويقولون لك أمورا لا يمكنك تخيلها".

ويضيف "يسمعون صافرات الانذار والأطباء والممرضين الذين يركضون من قسم الى آخر. أخبرني أول شخص نقلته من المستشفى أنه وصله قبل ثلاث ساعات من وفاة المريض في السرير قربه. وخلال الليلة ذاتها، توفيت امرأتان في غرفته... لم يسبق له أن رأى شخصا يفارق الحياة".

- "سأبقى هنا" -

بات مباندا قريبا من "مرضاه" الى درجة انه يرى لزاما عليه التعامل معهم كأنهم "أقرباء أو أهل".

ويتابع اللاعب الذي يحمل الرقم 8 "الأمر المروع هو انه في كل مرة تلمسهم لمواساتهم في سيارة الاسعاف وتهدئتهم، عليك أن تعقّم يديك فورا (...) بدأت منذ ثمانية أيام، من دون أي يوم راحة ومع فترات مناوبة بين 12 و13 ساعة".

ويشدد على انه "نظرا لما أراه في غرف الأمراض المعدية، أقول لنفسي أنه لا يمكنني أن أتعب (...) الخوف طبيعي. ولكن هناك بعض الأمور التي يمكن القيام بها بأمان، توفّر نصف ساعة أو ساعة من الراحة لأولئك المتواجدين في الصفوف الأمامية".

ويوضح "بالنسبة إليهم، هذه الساعة (من الراحة) مهمة وضرورية".

ويؤكد مباندا الذي اعتاد على مواجهة خصوم أقوياء في اللعبة التي تتطلب قوة بدنية هائلة، انه لن يستسلم في مواجهة الفيروس "طالما أتمتع بالقدرة، سأستمر. أنا هنا وسأبقى هنا. طالما هناك حال طوارئ، سأبقى هنا".