على بعد تسع دورات من نهاية بطولة احترافي، جاهدت الجامعة من أجل إتمامها تحقيقا للعدالة الرياضية، وحقنا للأجواء الرياضية من الجدل المفضي للتصادم، يقف الرجاء البيضاوي متحصنا في صدارته التي أمسك بها لأول مرة هذا الموسم، يدين في ذلك بالفضل الكبير لمؤجلاته الخمس التي تعامل معها بشكل رائع، إذ جنى منها 11 نقطة من أصل 15 نقطة ممكنة، ما مكنه من القفز إلى الصدارة بفارق نقطتين عن الغريم الوداد، فهل في هذا الرجاء ملامح البطل فعلا؟

الرجاء يفرد جناحيه من جديد
لا خلاف على أن الرجاء أشر منذ موسمين على عودة قوية، وقد تحرر تدريجيا من أثقال الأزمة المادية التي أثرت فعليا على انتداباته وأعادت الطمأنينة والسكينة ليس فقط لمستودع ملابسه، ولكن أيضا لمحيطه الكبير، إذ شعر شعب الرجاء أن نسوره غيرت ريشها وحتى أجنحتها وباتت جاهزة لتحليق جديد.
قدم الرجاء إشارة على العودة القوية بتألقه إفريقيا وهو يفوز بكأس الكونفدرالية والسوبر الإفريقي، وأيضا عندما نجح في العودة معافى لعصبة الأبطال التي كانت في العقد الأخير من القرن الماضي المسابقة المحببة له.
ومع استقدام الإطار الوطني جمال السلامي، كان على الرجاء أن ينجح في ما استعصى على غيره، أن يحقق مطافا جيدا في الواجهات الثلاث التي أقبل عليها، إذ بلغ نصف نهائي عصبة الأبطال الإفريقية وبلغ الدور ذاته في كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، وفي البطولة الإحترافية كان عليه أن يجيد التعامل مع الإحتياطي الكبير من المؤجلات.

رجاء أقوى من الحجر
مع مباراة الدفاع الجديدي التي كان الرجاء متمسكا بحق لعبها على البساط الأخضر ورفض خسارتها بالقلم، كانت هناك أربع مباريات مؤجلة في انتظار الرجاء، ويوم قررت الجامعة استئناف البطولة بإجراء المؤجلات وأيضا بإعادة مباراة الدفاع الجديدي والرجاء، توسم أنصار الرجاء خيرا في نسورهم، لإنجاز الوثبة المنتظرة، تحصيل أكبر عدد من النقاط للقفز إلى الصدارة.
قبل دخول معمعة المؤجلات، وفي عز الحجر الصحي، قال المدرب جمال السلامي ل"المنتخب": "وضعنا اللاعبين في صورة التحديات التي تنتظرنا حال عودة التباري، بهدف الرفع من طاقتهم الإيجابية ومن أجل أن يكون التحضير المنزلي مستوفيا لشرط الجودة برغم أن ذلك لم يكن كافيا."
وبالعودة إلى المباريات الست التي لعبها الرجاء منذ العودة إلى التباري، سنجد أن لاعبيه ظهروا بلياقة بدنية ونفسية جيدة، ساعدتهم على تحمل ضغط المباريات، وهذا شيء يحسب بالأساس للمدرب جمال السلامي ولكافة الأطر المعاونة ثم للاعبين، لحجم العمل البدني والذهني الذي أنجز في فترة الحجر الصحي، ما ساعد النسور على التعامل بشكل إيجابي مع المباريات.

معدلات نجاح كبيرة
تحصل الرجاء من مبارياته الست التي خاضها منذ عودة البطولة على 14 نقطة من أصل 18 نقطة ممكنة (4انتصارات وتعادلين)، وهو ما مكنه من القفز لصدارة البطولة بفارق نقطتين عن الغريم الوداد الذي لم يحسن التعامل من مؤجليه أمام فارسي الشرق فتحصل على نقطة واحدة من أصل ست نقاط ممكنة.
ونجح الرجاء وهو يحصد هذا الكم الجيد من النقاط في تقديم مستويات فنية مقنعة، برغم أن جل المباريات الملعوبة حتى الآن ما زالت مفتقدة للإيقاعات السريعة للأسباب الموضوعية التي نعرف.
أظهر لاعبو الرجاء تماسكا كبيرا في كل مبارياتهم التي خاضوها حتى الآن، وهذا دليل على جودة تحضيرهم ذهنيا، كما أنهم جسدوا على أرضية الملعب فكر مدربهم جمال السلامي الذي يحرص على إيجابية الإستحواذ ونجاعة البناءات الهجومية وتلاحم كل مكونات الفريق عند أداء الأدوار الدفاعية عند الحاجة لاستعادة الكرة.
ويمكنني بصدق أن أعتبر الرجاء الذي يصل إلى المباراة السادسة له منذ عودة التباري، من أكثر الفرق قدرة على تنويع الأداء بالحفاظ على مرتكزات الهوية، فمع الإعتماد المطلق على التمرير القصير باعتباره جزء من الهوية، هناك حضور عال لبديهة اللاعبين في التعبير عن مهاراتهم الفنية، من دون أن ننسى ثوابت الرجاء البشرية والتي تعطى زخما كبيرا للأداء الجماعي.

ربح رهان التدوير
ولأن ضغط المباريات كبير جدا، إلى الحد الذي يكره الرجاء على لعب ما مجموعه 15 مباراة في 45 يوما، أي بمعدل مباراة كل ثلاثة أيام، فإن جمال السلامي واجه تحديا كبيرا، وتمثل في إنجاح نظام تدوير المجموعة لتفادي الإصابات والإرهاق، وهذا يحتاج في الغالب لقاعدة بشرية عريضة ولبنك بدلاء جيد.
وبرغم أن جمال السلامي لم يستعد كونغولييه فابريس نغوما وبين ملانغو العالقين في الكونغو، وما زال مفتقدا للاعبيه الدويك وبنحليب، إلا أنه ربح حتى الآن رهان التدوير، بدليل أن السلامي استعمل في مبارياته الست ما لا يقل عن 20 لاعبا، صحيح أن هناك من لعب كل المباريات كالزنيتي وسند الورفلي وسفيان رحيمي والعرجون، إلا أن سياسة التدوير لعبت دورها وينتظر أن تلعبه في الحلقات المتبقية.

ثوب البطل يليق به
باستحضار العديد من المؤشرات البدنية والتكتيكية والذهنية التي نعتمدها في العادة لترشيح هذا الفريق أو ذاك للمنافسة على اللقب، فإن ما قدمه الرجاء في مبارياته الست يقول بأنه يحمل العديد من ملامح الفريق البطل، من شساعة قاعدة اللاعبين إلى الغنى الملاحظ على دكة البدلاء إلى تنويع الأداء إلى خصوبة المضمون أو المحتوى التكتيكي.
صحيح أن ما بقي على خط النهاية، 9 مباريات، ما يعنى أن هناك 27 نقطة قيد التنافس، إلا أن ما أظهره الرجاء منذ بداية الموسم يرشحه لأن يكون بطلا للمغرب، وفي الطريق لتحقيق ذلك ستواجهه الكثير من العقبات كالديربي مثلا، كما سيكون عليه انتظار ما ستأتي به الفريق المتنافسة معه على اللقب من نتائج بخاصة في المواجهات المباشرة.
مع ما يرجح اليوم كفة الرجاء في السباق نحو اللقب، فإن ما نشاهد عليه النسور من تحليق جيد، يعد بشوط ثالث وأخير قمة في الإثارة، تصبح معه الفرجة مضمونة!!