كان سفيان البقالي يعرف أنه الأمل الأخير لرياضة مغربية بدت موجوعة بالتساقط الرهيب لرياضييها على بساط التباري الأولمبي، ومتوجسة من أن تعود من طوكيو بخفي حنين..

كان سفيان البقالي يعرف أنه الرجاء الأخير للمغاربة، ليرفعوا الرؤوس بين الأشهاد وليستعيدوا الوصال بالذهب الأولمبي..
كان سفيان البقالي يسمع من بعيد رنة الذهب ويرى غير بعيد عنه مخزن الذهب، كان هناك حاجز أخير، إن استطاع أن يقفزه دخل التاريخ وحقق ما لم يجرؤ عليه عداء آخر غيره، أن يجرد الكينيين من ذهب مسافة 3000 متر موانع والذي ظل يلمع على صدورهم لمدة أربعين سنة..
كان سفيان يعرف أن القدر يرتب له مكافأة رائعة على معاناة ومكابدة السنين، كان يعرف بالمختزل الجميل أنه على موعد مع التاريخ، وأبدا لم يخلف الموعد..
لذهب البقالي طنين جميل ولون مبهج، كيف لا وهو من أسقط الكثير من العصافير بقفزة واحدة فوق المستحيل..
تعالوا نجرد من خلال هذا الحوار، كل الذي اعتمل في وجدان سفيان البقالي، قبل الأولمبياد وبعد أن أشرقت شمسه ذهبية بطوكيو..  


< المنتخب: سفيان، أنت اليوم أسعد إنسان في العالم، أن تتوج باللقب الأولمبي في ظرفية بالغة الصعوبة، وأن تنال ذهبية مسابقة أحكم العداؤون الكينيون السيطرة عليها، فهذا معناه أنك حققت أجمل أحلامك؟
البقالي: بالفعل، وهل هناك أجمل من أن أصبح بطلا أولمبيا، طبعا هو حلم لا يشبهه أي حلم آخر، حلم لا يمكن أن ننام ونصحو عليه، بل هو حلم يتحقق بعد كفاح طويل، بعد معاناة قوية وبعد رحلة طويلة كلها عمل وتداريب شاقة ومرهقة.
لقد أمضيت ثلاث سنوات كاملة وأنا أشتغل مع مدربي ومع أصدقائي على هدف الصعود لأعلى منصات التتويج، ولله الحمد بلغت المراد، وحققت الحلم الكبير، وأنا اليوم بحمد الله بطل أولمبي.

< المنتخب: وأنت أيضا زين الشباب، وفخر لملكك ولأبناء وطنك؟
البقالي: نحن في مقام أول سفراء لبلدنا ولملكنا، وعندما نستطيع تحقيق لقب أولمبي ورفع الراية المغربية خفاقة في المحافل الرياضية الدولية، فإن ذلك يملأنا بالسعادة والفخر والإعتزاز.
هذا اللقب الأولمبي أهديه أولا لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لأنه يشملنا حفظه الله برعايته الأبوية ولأنه يذلل أمامنا كل الصعاب، ولأن ما يفعله من أجل إعلاء شأننا بين الدول يستحق أن نهديه إنجازات من هذا الطراز الرفيع.
اللقب أهديه أيضا لكل المغاربة الذين اشتاقوا الذهب الأولمبي.
< المنتخب: بالطبع، هذا اللقب الأولمبي لم يأت من عدم، لقد حضرت نفسك لكسب الرهان الأكبر، برغم من أنك كنت تدرك أن المهمة غاية في الصعوبة، لقد كان عليك لتحقق حلمك الذهبي، أن تكسر شوكة الكينيين والأثيوبيين الذين استحوذوا لسنوات على ألقاب 3000 متر موانع العالمية والأولمبية؟
البقالي: من البداية كان الطريق واضحا بالنسبة لي، منذ أن قررت التحول لسباق 3000 متر موانع، أن أفعل المستحيل من أجل أن أجد لي موطئ قدم في منصات التتويج، إلا أن مشهد السباق في الثلاث سنوات الأخيرة إختلف بعض الشيء بدخول عدائين من جنسيات أخرى، أي أن مؤشرات كثيرة كانت تقول بأن عرش الكينيين والأثيوبيين في سباق الموانع سيسقط..
< المنتخب: وهذا ما حدث بطوكيو، لقد تمكنت سفيان من إنهاء هيمنة كينية على سباق الموانع دامت لأربعين سنة كاملة؟
البقالي: نعم، وهذا ما يزيد من سعادتي بل وفخري بهذا الذي أنجزته بطوكيو، لقد كنت واثقا من أنني سأتواصل يوما إلى الوقوف في أعلى منصات التتويج مكللا بالذهب، أتصور أن التتويج في الألعاب الأولمبية هو أجمل شيء يمكن أن يصادفه أي رياضي المستوى العالي في مساره الرياضي.
< المنتخب: طيب لنأتي للسباق النهائي، كيف حضرت نفسك للصراع الضاري الذي لاحت تباشيره منذ الدور نصف النهائي؟
البقالي: للأمانة لم أترك مع مدربي كريم التلمساني أي شيء للصدفة، درسنا جيدا كل المنافسين، واستبقنا بوضع كل السيناريوهات الممكنة، ولكن انتهينا في الأخير إلى أن فرصتي في التتويج بإحدى الميداليات، هي أن أحسم المائتين الأخيرتين بالسرعة النهائية التي اشتغلت عليها كثيرا خلال هذه السنة.
كان مبرمجا أن ألتصق بالكوكبة لفترة طويلة في السباق، وأظل في مركز يمكنني من مراقبة السباق، إلى أن أصل لآخر بركة مائية، عندها سيكون علي أن أطلق العنان لسرعتي النهائية، وهذا ما حدث، مباشرة بعد تجاوز البركة المائية، زدت من سرعتي على أمل أن أنهي المائة متر الأخيرة بأعلى سرعة ممكنة، وعندما أيقنت أن لا الكيني ولا الأثيوبي لن يستطيعان اللحاق بي، أدركت أنني أنهيت بشكل رائع السيناريو المثالي، أنني أصبحت بطلا أولمبيا، أنني منحت ملكي وبلدي الميدالية الذهبية الغالية.
< المنتخب: أنت اليوم شخص آخر، أنت اليوم بطل أولمبي، قبل ليلة من السباق النهائي هل كنت تتوقع أن تتوشح بالميدالية الذهبية؟
البقالي: لا أخفيكم أنني عشت ضغطا رهيبا..
كنت أشعر أنها اللحظة التي كنت أشتغل عليها لسنوات، كان لدي إحساس كبير بأن القدر يهيء لي أشياء جميلة في طوكيو، لذلك طاردتني الكثير من الأحلام الممزوجة بالهواجس، حتى أنها طيرت النوم من عيني، وما كان يجلب لي الإطمئنان هو ما قالته لي أمي عندما هاتفتها ليلة السباق.
< المنتخب: وماذا قالت لك السيدة الوالدة؟
البقالي: لقد شعرت بشدة الضغوط التي تقع علي، كانت تعرف أنني ما جئت لطوكيو إلا لأحقق إنجازًا تاريخيا، إذ قالت لي: «لا تشغل بالك كثيرا، ولا تضغط على نفسك كثيرا ستفعل ما الله مقدره عليك».
كلامها أراحني كثيرا، لذلك فأنا سعيد لها كثيرا، من اليوم تستطيع أمي أن تكون فخورة بي».
< المنتخب: جعلت من هذه السنة، سنة أولمبية وحرصت على أن تقلل من المشاركة في الملتقيات الدولية، بل إنك شاركت في سباق 1500 متر، هل كان ذلك بهدف اختبار سرعتك النهائية؟
البقالي: أنا أصلا جئت من هذا السباق الذي كان في وقت ما محتكرا من العدائين المغاربة (سعيد عويطة وهشام الكروج وعبد العاطي إيكدير)، لذلك قلت أن أفضل ما يمكن أن أختبر به سرعتي النهائية هو المشاركة في سباق 1500 متر، وكانت التباشير رائعة ومحفزة، لأن تحقيق أفضل توقيتات السنة في سباق 1500 جعلني أطمئن على سرعتي النهائية والتي كانت ولله الحمد حاسمة في تتويجي بالميدالية الذهبية.
< المنتخب: إلى جانب والديك ومدربك وأقرب الناس إليك، توصلت بدعم استثنائي من أبطال مغاربة؟
البقالي: نعم وكلهم دعوني إلى التعامل مع السباق النهائي بشكل عادي، وكأنني أخوض حصة تدريبية منزوعا من كل ضغط، لأن قوتي الذهنية والبدنية ستتأثر سلبا بأي ضغط آخر أضيفه لضغط اللحظة.
وأعتقد أنني خضت السباق بكامل الأريحية، بثقة عالية في النفس، ولم أرتكب أي خطأ في إدارة السباق تكتيكيا، أي أنني أنجزت السباق التي خططت له مع مدربي كريم التلمساني.
< المنتخب: على ذكر مدربك كريم التلمساني، لماذا تضعه في مرتبة الأب الروحي؟
البقالي: لأنه بالفعل أب روحي لي، هو مدربي صحيح، ولكن أيضا هو ملهمي وقدوتي، لا أعتقد أن هناك شخصا يحبني ويخاف علي وتهمه مصلحتي بعد والداي أكثر منه.
كل القوة التي أظهرها في سباقاتي أستمدها منه، وإذا كنت قد سرت في سنواتي الثلاث بخطى ثابتة نحو المجد الأولمبي، فهذا كان بفضله، لو استطعت أن أتحدث عن كريم التلمساني لساعات لما ترددت، هذا النجاح له فيه فضل كبير بعد الله سبحانه وتعالى.
< المنتخب: أن تصبح بطلًا أولمبيا في سن 25، فهذا شيء رائع، إنه يفتح لك الكثير من الآفاق؟
البقالي: هناك أبطال كثيرون عاكسهم الحظ في الوصول سريعا للقب الأولمبي، وقد أظهروا إزاء ذلك شجاعة كبيرة، لنستحضر هنا المسار الأنطولوجي البطل هشام الكروج، لقد قدم الكثير من التضحيات من أجل أن يكتب أجمل صفحات التاريخ بتتويجه بذهبيتي 1500 و5000 متر بأثينا.
أنا اليوم بطل أولمبي في سن 25، بعد أن حققت فضية وبرونزية السباق في بطولة العالم بلندن والدوحة.
< المنتخب: إنتظرناك في سباق 1500 متر، لكنك ستنسحب من اللفة الأخيرة، هل جازفت بقرار الجمع بين سباقي 3000 متر موانع و1500 متر؟
البقالي: بالقطع لم يكن قرار الجمع بين السابقين اعتباطيا، بل على العكس من ذلك كان القرار مدروسا بدقة، كان يفترض أن أنتهي من سباق 3000 متر موانع لأتحول رأسا لمسافة 1500 متر التي ما عاد لها منذ سنوات سيد مطلق، إلا أن ما حدث كان أقوى مني..
< المنتخب: تقصد أنك لم تحصل على الراحة الكافية بين السباقين؟
البقالي: بالطبع هذا ما أقصده، عندما اشتغلنا على الجمع بين السابقين، كان أملي هو أن أحقق للمغرب ميادليتين، صحيح أن تركيزي كان على سباق 3000 متر موانع لأنه هو الأصل، وهو الذي ترشحني أرقامي وإنجازاتي لأكون فيه بين المتوجين، إلا أن السعادة التي غمرتني بعد تتويجي بالذهبية ومحاصرتي من العشرات من الصحفيين العالميين جعلني لا أغادر الملعب الأولمبي إلا على الساعة الثالثة صبحا، بل إنني لم أو إلى فراشي بالقرية الأولمبية إلا في الساعة الخامسة صباحا، وبعد ساعة واحدة من النوم استيقظت وتوجهت مجددا للمعلب الأولمبي لأن سباق الدور الأول لسباق 1500 متر كان مبرمجا صباح يوم الثلاثاء.
بهكذا ظروف يستحيل علي أن أكون في كامل جاهزيتي البدنية.
< المنتخب: ولماذا لم تقرر إعفاء نفسك من المشاركة في سباق 1500 متر؟
البقالي: قلت مع نفسي لو تمكنت من تجاوز الدور الأول فإنني سأحصل تلقائيا على 48 ساعة من الراحة للتحضير للسباق نصف النهائي، لكن الله غالب.
وكما قلت من قبل، لم يأت قرار المشاركة في سباق 1500 متر اعتباطيا، فهذه هي مسافتي الأولي منذ دخلت عالم ألعاب القوى، قبل أن أتحول لمسافة 3000 متر موانع، كما أنني تعمدت المشاركة في واحد من الملتقيات في سباق 1500 متر وكان توقيتي جيد للغاية، لم أبتعد كثيرا عن 3 دقائق و31 ثانية.
< المنتخب: ستعود للمغرب لتحتفل من عائلتك وأصدقائك بهذه الذهبية التاريخية، وبعدها ستعود للمضمار؟
البقالي: أنا في شوق لأعيش أجواء الإحتفال بهذه الذهبية مع عائلتي وأقرب أصدقائي، إلا أنني سأعاود الدخول للتحضيرات، لأن طموحي هو الفوز بجائزة العصبة الماسية، سأشارك في ملتقى باريس يوم 28 غشت الحالي وبعدها شأشارك في نهائي العصبة الماسية يوم 9 شتنبر المقبل بزيوريخ. 
< المنتخب: اليوم أرقامك وإنجازاتك مطلوبة، والكينيون سيبحثون عن استعادة اللقب الضائع؟
البقالي: وأنا لست على استعداد للتنازل عن أحلامي الباقية.
قلت أنني أطمح للفوز بجائزة العصبة الماسية، وبعدها سأعمل جاهدا لأضيف اللقب العالمي لمسافة 3000 متر موانع للقب الأولمبي الذي يوجد بحوزتي، وبطولة العالم سيكون موعدها بعد سنة من الآن بمدينة أوجين بالولايات المتحدة الأمريكية، أسأل الله التوفيق.