• ذهبية البقالي لا يمكن أن تغطي غابة الكوارث
• رياضات تسيء للمغرب.. فمن يحاسبها؟
• أما آن الأوان ليخلي هؤلاء المكان
• باسطا.. كفى.. سطوب.. بكل اللغات أوقفوا المهزلة
جددت الرياضة المغربية رسوبها في الإمتحان الأولمبي، وهي تكتفي بذهبية سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع، ذهبية وإن أعادت ألعاب القوى مجددا لمنصة التتويج، وضمنت للمغرب المرتبة في سبورة ميداليات الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، إلا أنها لا يمكن أن تتستر على كارثية المشاركة، ولا أن تخفف من وطأة الخيبة أو حتى أن تحجم بداخلنا الغضب على أن الرياضة المغربية أخلفت عن عمد موعدا جديدا مع التاريخ.
صحيح أن لا مؤشرات لاحت في الأفق والرياضة المغربية تؤهل 48 رياضيا للتباري في 18 مسابقة لدورة استثنائية للألعاب الأولمبية، دورة تأجلت لسنة كاملة عن موعدها الأصلي بسبب جائحة أثرت سلبا على نمط وشكل التحضير، وصحيح أن ما رصدناه من تجاوزات في تحضير الرياضيين للإمتحان الأولمبي كان ينبئ بأن شمس الرياضة الوطنية لن تشرق في سماء طوكيو، إلا أننا كنا نطمع في تموقعات متقدمة لرياضيينا، وكنا نطمع في تباشير تعطينا الإطمئنان على احترافية الإشتغال الذي لا مناص منه لبلوغ المستويات العالية، غير أننا كنا لغاية الأسف كمن يطارد خيط دخان.

• لا تسوقوا الأوهام
الذين سيتحدثون اليوم عن كارثية حصيلة الرياضة الوطنية في دورة طوكيو، منزوعة من إطارها العام، ومعزولة من بيئة رياضية وطنية متعفنة ومخنوقة ولا تساعد على الإبداع، فبالأحرى التنافس في المستويات العالية، سيأخذوننا بالتأكيد إلى طريق لا تفضي إلا إلى الكوابيس والسفسطة.
إن المحصول السيء الذي تعود به الرياضة الوطنية من طوكيو، قياسا بالإمكانيات المادية واللوجيستية المرصودة لها، هو في واقع الأمر اجترار لوضعية كارثية تعيش عليها الرياضة الوطنية منذ عودتها من أثينا سنة 2004، بآخر رصيد محترم من الميداليات (ذهبتان وفضية)، فما جنته الرياضة الوطنية من ميداليات في الدورات الأولمبية التي تلت دورة أثينا، بيكين 2008 (فضية وبرونزية) وبلندن 2012 (برونزية) وبريو دي جانيرو 2016 (برونزية)، وحتى بطوكيو 2020(ذهبية)، يكشف بالواضح أن الرياضة الوطنية أدمنت السقوط إلى الحضيض، وأن مسافة كبيرة باتت تفصلها عن المستوى العالي. والكارثي هو أن ذات الأسباب الفنية والتدبيرية والرياضية التي عددناها لتبرير سقوطنا ببكين قبل 13سنة، هي ذاتها التي يأتي ذكرها لتبرير الحصيلة السيئة للرياضة الوطنية بطوكيو، وكأننا ندور منذ ذلك الوقت وحتى الآن في حلقة مفرغة، وننتج للأسف ذات الأخطاء الإستراتيجية، بل إننا نزداد سقوطا في الرداءة، ولا أعتقد أننا سنختلف عن تحديد من يكونون الجناة.. من تسببوا في هذا الوضع الكارثي.. أي أن تكرر الرياضة الوطنية بشكل بذيء سقوطها في الإمتحان الأولمبي.

• كذبة.. أبشع كذبة
ظلت رياضات مثل الجيدو والتايكواندو تمنيان المغاربة بميدالية أولمبية، وبالهند كانت الرياضتين معا ترسلان للإستهلاك عددا من المعطيات الخاطئة في صورة ألقاب لا يقاس بها المستوى الأولمبي.
بل إن القيمين على جامعة التايكواندو جزموا أمام المغاربة أن الأخطاء الفنية التي حالت بين أبطالها وبين منصات التتويج في آخر دورتين أولمبيتين، قد جرى تصحيحها بانتداب مؤشرين من المستوى العالي، إلا أن ما افتضح في دورة طوكيو بسقوط سفراء التايكواندو الثلاثة في الأدوار الأولى، أظهر فعلا كم أننا عدونا وراء سراب حتى سبقنا السراب.
فبينما كانت دول قيل أننا نتفوق عليها، تصعد لمنصة التتويج ،كان رياضيونا يحشرون بشكل جماعي في إصطبلات الإقصاء، وأحيانا يهوون من الأدوار الأولى وبشكل مستفز.
وأظهر الجيدو المغربي برغم ما يرصد له من إمكانيات، وبرغم استضافة بلادنا لإحدى أكبر الجوائز العالمية، أنه أبعد ما يكون عن المستوى العالمي، وأن التصديق بوجود حظوظ للصعود لمنصة التتويج، هو شروع في الجنون.

• قبضة من خشب
وقالت برونزية الملاكم والبطل العالمي محمد ربيعي في دورة ريو دي جانيرو، الوحيدة للمغرب في تلك الدورة، مع وصول جيل من الملاكمين الشباب، بفضل استراتيجية الجامعة وفتحها لكثير من مجالات التباري، أن رياضة الملاكمة يمكن أن تمثل لنا أملا في تحقيق إحدى الميداليات بطوكيو، إلا أن السقوط الجماعي للملاكمين المغاربة في مشهد محزن ومقزز، سيفضح التناقضات السافرة في تدبير المشاركة الأولمبية.
إن الهيئة البدنية والنفسية التي جاء بها الملاكمون المغاربة لدورة طوكيو، فضحت التراجع الكبير لهذه الرياضة بل وتنازلها عن المكتسبات التي بها حققت طفرتها في دورة ريو دي جانيرو قبل خمس سنوات.
وبعيدا عن طرق الإنتقاء، فإن جامعة الملاكمة تسأل عن الظروف النفسية والرياضية التي هيأتها لملاكميها المترشحين للإستعداد لدورة أولمبية، لا تقبل أبدًا بالطرق الفولكلورية في التحضير.

• البقالي ليس شماعة
ولا يجوز أبدًا أن نخفي بذهبية سفيان البقالي التراجع الكبير لألعاب القوى الوطنية، قياسا بما كانت عليه في زمنها الذهبي عندما كانت ميدالياتها المتعددة ترفع المغرب لمراتب متقدمة في سبورة الميداليات.
صحيح أن ذهبية سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع، أعادت ألعاب القوى لمنصة التتويج بعد أن خرجت صفر اليدين في دورة ريو دي جانيرو، وصحيح أن البقالي وضع لأول مرة منذ 17 سنة أنفس المعادن على صدر الرياضة الوطنية، إلا أن الإقتصار على هذه الميدالية، وما رافق مشاركة 14 عداء آخر من إقصاءات متواترة، يفضح هشاشة التكوين برغم ما توفر للجامعة الملكية لألعاب القوى من مضامير ومن أكاديميات.
لقد كان من المفترض أن يكون أولمبياد طوكيو هو المحطة الأولى لجني حصاد إستراتيجية جرى الحديث عنها قبل تسع سنوات، قيل أنها ستشتغل ببعد علمي وبراغماتي وأنها ستراهن على «ميداليات نظيفة».
إن المؤسف فيما شاهدناه في أولمبياد طوكيو، أن دولا غير كينيا وأثيوبيا التي لطالما قلنا أننا سنناقشها على ميداليات السباقات المتوسطة والطويلة، استطاعت بعلمية التكوين وسلامة التخطيط أن تنتزع من كينيا ومن أثيوبيا ومن شمال إفريقيا سيادتها على بعض السباقات (سباق 1500 مترا كنموذج والذي توج بذهبيته متسابق نرويجي في سن العشرين)، وهذا دليل آخر على أننا برغم موردنا البشري الغني والمؤهل فيسيولوجيا وجينيا ليكون في مقدمة الأبطال المتنافسين على الميداليات، لم نتمكن من معادلة إنجازاتنا السابقة والإستثمار فيها أو المراكمة عليها.

• الدراجة معطوبة بل مكابرة
واصلت رياضة الدراجات كذبتها الكبيرة، فما إن تتغنى بوصول دراج للألعاب الأولمبية حتى يفتضح أمر الزعامات الواهية التي يجري الترويج لها واستهلاكها بالعمد من قبل الجامعة المعنية.
فبعد لندن 2012 وريو دي جانيرو 2012، ها هي دورة طوكيو 2020 تؤكد كم هي الدراجة المغربية بعيدة كل البعد عن محاكاة كبار العالم في أي من السباقات المتنافس على ميدالياتها، فالمتسابق المغربي الوحيد المؤهل للأولمبياد محسن الكوراجي لم يتمكن حتى من إتمام السباق إذ انسحب منه، بعد أن تأكد المسكين أن دراجته وحتى تكوينه وتأطيره لا يسمحان له بمقارعة الدراجين الكبار، ليكون الإعلان الجديد عن إفلاس الأميرة الصغيرة وليتأكد للجميع أن الحال لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه.

• بيننا وبينهم مسافات..
وتجرع الكراطي المغربي مرارة الإخفاق في أول ظهور لهذه الرياضة أولمبيا، وتأكد للكل أن ما كان يروج له أوهام لا يمكن أن يقبل بها العقل.
وتدل النتائج الكارثية للرياضية الوحيدة المؤهلة للأولمبياد (ابتسام صديني) على أن ما بين الكراطي المغربي والكراطي العالمي بل والعربي مسافات ضوئية.
وبشكل مفاجئ تبخر الممثل الوحيد للمصارعة المغربية  زياد أيت أوكرام في الهواء، ذلك أن الألعاب الأولمبية ستعلن انسحابه من المنافسة، بينما كان مقررا أن يواجه في الدور ثمن النهائي المصارع .....
وبينما أبلغ زياد أيت أوكرام عبر تدوينة له أسفه على ضياع فرصة التواجد مجددا في الأولمبياد، وعزا ذلك تارة لإصابته بفيروس كورونا وأخرى لضياع جواز سفره بقطر، ابتلع رئيس جامعة المصارعة فؤاد مسكوت لسانه ولم يقدم بشأن هذه الواقعة «المريبة» أي تفسير أو تعليل، في وقت يحتاج فيه هذا الانسحاب الغريب إلى تحقيق من وزارة الشباب والرياضة ومن اللجنة الوطنية الأولمبية.

• رياضات بحضور شكلي
وطبعا لن نطيل الحديث عن الرياضات التي تعتبر مجرد التأهل للأولمبياد إنجازا لها، ولعلها في ذلك تمتثل للروح التي جاءت بها الألعاب الأولمبية الحديثة، والتي لخصها باعث الأولمبياد الفرنسي بيير دو كوبيرتان «الأهم هو شرف المشاركة»، فلا الترياثلون أفلح بلاعبه مهدي الصديق ولا السباحة حركت المياه الآسنة، ولا سارة فرينكار قويت على التنافس في أحواض التجديف، ولا المسايفة ربحت المبارزة الأولمبية ولا منتخب الطائرة الشاطئية كسب شوطا واحدا من مبارياته الثلاث التي عرفت خسارته بالحصص العريضة.
لتكون المحصلة كما أسلفت دالة على الضعف الكبير الذي أظهرته الرياضة المغربية في امتحانها الأولمبي، برغم أنها حققت ذهبية لم تحققها في آخر 3دورات أولمبية.

• أما حان وقت المحاسبة؟
لا تحتاج المشاركة المغربية في أولمبياد طوكيو إلى أن ننفق عليها من المال العام باللجوء لمكتب دراسات دولي، فالأرقام تتحدث عن نفسها، إنها هزيلة هزالة التدبير وضعيفة ضعف المخططات وموجعة وجع هذا الإصرار من كثير من رؤساء الجامعات، صناع الفشل، على إبعاد التهمة عنهم ومواصلة الإلتصاق بالكراسي في مشهد بديء وممسوخ ولا يليق بكبرياء المغاربة.
إن الجامعات الرياضية برمتها، التي حضرت الأولمبياد ولم تحرك ساكنا، والتي غابت عن الحدث الكوني بسبب الإقصاء، مطالبة بتقديم كشف الحساب، بل إن من يقومون عليها مطالبون بتقديم استقالاتهم فورا تزيلا لأدبيات المساءلة والمحاسبة على جنحة الفشل والسقوط.
ومع هذه الجامعات الرياضية المفلسة، فإن وزارة الشباب والرياضة ومعها اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، تتحملان المسؤولية في هذا المآل الكارثي للرياضة الوطنية، فهما الجهازان الموكل لهما المتابعة والمراقبة وحتى المحاسبة، والحال أن الإخفاق يتكرر من أولمبياد لآخر برغم ما يرصد لرياضة المستوى العالي من إمكانات مالية ضخمة، فلا الوزارة نهت عن المنكرات ولا اللجنة الأولمبية تقيدت باستراتيجية الأربع سنوات التي تهيء رياضيي المستوى العالي.
والخوف أن نكرر نفس هذا التشكي والتباكي على حائط الأولمبياد بعد ثلاث سنوات من اليوم، إن حكم علينا أولمبياد باريس 2024 بنفس الوجع والفشل.