لم يكن تتويج باريس سان جرمان بلقب عصبة أبطال أوروبا لكرة القدم انتصارا للفرنسيين فحسب، بل لدولة قطر أيضا، خاصة رئيس النادي وجهاز قطر للاستثمار ناصر الخليفي الذي جعل من الفوز بهذا اللقب قضية شرف منذ 14 عاما.

ويعتبر الخليفي، المقرب من الأمير تميم بن حمد آل ثاني والمنحدر من عائلة صائدي لؤلؤ، شخصية متعددة المناصب (بين شبكة بي إن الإعلامية، الاتحاد القطري لكرة المضرب، رياضة البادل وغيرها).

يؤكد جون-بابتيست غيغون، مؤلف كتاب "قطر: الهيمنة عبر الرياضة، جيوسياسية الطموح"، في تصريح لوكالة فرانس برس أن الخليفي "سيجني بالتأكيد ثمار هذا النجاح"، على الرغم من متاعبه القضائية في فرنسا.

ويواجه الخليفي (51 عاما) لاعب كرة المضرب سابقا، سلسلة من القضايا القانونية. هذه الشخصية المتحفظة، بل الغامضة، مستهدفة بتحقيقات قضائية عدة، من بينها واحدة بتهمة "العمل غير المصرح به"، وأخرى بتهم "الاعتقال، الخطف والاحتجاز تحت التعذيب أو أفعال وحشية ارتكبت من قبل جماعة منظمة"، إضافة إلى توجيه اتهام رسمي له بـ"التواطؤ في شراء أصوات، والإخلال بحرية التصويت"، و"التواطؤ في استغلال السلطة ضد شركة SCA Lagardere".

بغض النظر عن مستقبله القضائي، فإن هذا النجاح التاريخي سيرفع من مكانة الخليفي الذي ي عد أصلا أحد أقوى الشخصيات في كرة القدم الفرنسية.

هو مقر ب من رئيس رابطة الدوري الفرنسي فينسنت لابرون، وي نظر إليه كصاحب نفوذ كبير على الصعيد الأوروبي أيضا، بصفته رئيس عصبة الأندية الأوروبية منذ عام 2021، وعضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ويفا".

قال الخليفي هذا العام لصحيفة بيلد الألمانية "لم يكن هدفي أبدا أن أكون بهذه الدرجة من النفوذ أو القوة"، مضيفا "ليست لدي أي طموحات تتعلق بالتأثير أو السلطة".

في عام 2011، ومع استحواذ جهاز قطر للاستثمار على النادي، كان الهدف المعلن لناصر الخليفي، الرجل صاحب الشبكات والعلاقات والحاضر الدائم في النادي، هو الفوز بعصبة الأبطال في غضون خمس سنوات. حينها، لم يكن النادي يشبه بأي حال نسخة 2025، وكان كل شيء لا يزال قيد البناء.

مر النادي بمراحل عديدة أبرزها في السنوات الأخيرة حين ضم الثلاثي الشهير الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار وكيليان مبابي، وهي مرحلة تعد فشلا رياضيا لكن نجاحا اقتصاديا مذهلا من حيث التذاكر والمبيعات والقمصان وغيرها. أما الموسم الحالي، فقد شهد نهاية "سياسة النجوم" وبداية عصر اللعب الجماعي.

خلال هذه السنوات، لم يتوقف الخليفي عن تكرار مقولته الشهيرة في المقابلات والمداخلات الإعلامية "باريس سيفوز بالكأس ذات الأذنين الكبيرتين".

وكما هو حاله، فإن المستثمرين في الدوحة الذين لا يتدخلون في الشأن الرياضي اليومي، الم دار من مقر "فاكتوري" في باريس و"كامبوس بواسي" في إقليم إيفلين، ظلوا يعب رون عن هوسهم بالفوز بعصبة الأبطال. ومع ذلك، أصبح الخطاب أكثر تواضعا خلال العامين الماضيين بعد خيبات الأمل المتكررة، بالتزامن مع تراجع ظهور الخليفي في الإعلام منذ وصول المدرب الإسباني لويس إنريكي إلى الجهاز الفني عام 2023.

قال في حديثه لصحيفة بيلد "إذا سألتموني إن كان هدفنا الفوز بعصبة الأبطال، سأقول لا".

وللمفارقة، فإن الموسم الذي قل الضغط فيه على الفريق بالتصريحات الإعلامية، هو نفسه الموسم الذي فاز فيه النادي بالثلاثية التاريخية: عصبة الأبطال، البطولة الفرنسي، وكأس فرنسا.

ويقول جهاز قطر للاستثمار إنه استثمر 1.4 مليار يورو في مشروع باريس سان جرمان. لكن بالنسبة للخليفي وقطر، فإن الوقت والمال والخيبات المتكررة تبدو ضئيلة مقارنة برفع النادي إلى قمة الكرة الأوروبية وكتابة اسمه في تاريخ الكرة الفرنسية والقارية.

وقال مصدر مقر ب من الخليفي لفرانس برس "هل كان شراء النادي يستحق كل هذا؟ بلا شك، بالنظر إلى العائد الاستثماري الهائل". فقد ارتفعت قيمة النادي من 70 مليون أورو في 2011 إلى 4.2 مليار يورو في كانون الأول/دحنبر 2023، عند بيع حصة من أسهمه إلى شركة الاستثمار الأميركية "أركتوس".

وأضاف المصدر "إذا نظرنا إلى الجانب الرياضي (أربع نصف نهائيات في آخر ست سنوات وألقاب محلية عدة)، والمالي (800 مليون اورو من الإيرادات السنوية)، والسمعة، والبنية التحتية مثل مركز تدريبات باريس سان جرمان وتحديث ملعب بارك دي برانس... فإن النمو تحت قيادة جهاز قطر للاستثمار كان هائلا".

وي عد هذا التتويج أيضا تأكيدا على استراتيجية قطر في الدبلوماسية عبر الرياضة والقوة الناعمة، باعتبارها دولة صغيرة (2.8 مليون نسمة، 15% فقط منهم قطريون). ويقول بيم فيرشورين، المتخصص في الجيوسياسة الرياضية، إن هذا الانتصار المنتظر منذ سنوات سي حدث "أثرا جيوسياسيا كبيرا في تعزيز مصالح قطر وفي سياستها التوسعية في العالم".