في الثامن من شهر غشت 1984، شاهد ملايين المتتبعين من جمهور حاضر أو مشاهد عبر الشاشة الصغيرة والأقمار الإصطناعية، فتاة شابة مهرولة على حلبة «كوليزيوم» بلوس أنجلس، فتاة تبكي من شدة الفرحة، وهي حائرة لكونها لم تستوعب بعد عظمة الإنجاز الذي حققته.

بالفعل فقد تمكنت المغربية نوال المتوكل من الفوز بالميدالية الذهبية لسباق مسافة 400م حواجز وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ ألعاب القوى المغربية والقارية والعربية.

أجمل ما في الإنجاز الرائع، مشهد البطلة المغربية وهي ترفع العلم الوطني المغربي وتحوم به في حلبة الشرف أمام جمهور هو الآخر طال به الوقت قبل أن يستوعب الحدث ويحول وقع المفاجأة إلى يقين وقناعة بهذه الفتاة النحيفة والصغيرة والجميلة.

الجميل كذلك أنها صرحت في إحدى اللقاءات الصحفية، أنها في تلك اللحظة تذكرت والدها المتوفى قبل أيام، تذكرت كذلك ساعات الفسحة التي قضتها مع إخوانها وهي تجري على رمال مسبح أنفا بالدار البيضاء مسقط الرأس.

نوال المتوكل تبقى معتزة بالحفل الكبير الذي نظم على شرفها وأبطال المتوسطيات بحضور المغفور له الملك الحسن الثاني الذي رفع يدها رفقة سعيد عويطة كدليل على الإعتزاز والفخر.

هذا الإنجاز وبهذه الأهمية والحجم وما خلفه من أصداء عبر العالم، من شأنه أن يظل راسخا في الأذهان.

الجانب النفساني والسيكولوجي لم يخلو من تفاعل البطلة مع الحدث خاصة عندما ذكرت أنها كانت في صراع مع الحلبة والحواجز التي كانت تبدو جد عالية وصعبة التخطي وفي نفس الوقت تحلم بإهداء الذهب لوالدها المرحوم الذي ودعها منذ أيام فقط وهو ما تأتى لها، لأن هناك إيمان ورغبة وإرادة وحب. لذا فإن الحافز أصبح حوافز والنتيجة جاءت بالوسيلة.

من اللحظات التي لن تنساها البطلة نوال المتوكل تلك التي تسلمت فيها الذهب الأولمبي من يدي الأب الروحي للرياضة الوطنية الحاج محمد بنجلون رحمه الله والخطاب كان بسيطا إذ قال: «لقد شرفت وطنك وملكك. الله يرضى عليك».

 

بطاقة نوال: وهل يخفى القمر...؟

من مواليد 15 أبريل سنة 1962 بالدار البيضاء العاصمة الإقتصادية والرياضية.

السمات البارزة في هذه البطلة أنها تجمع بين المرأة الرياضية والقيادية والسياسية.

شكلت الإنفراد العربي والقاري والمغربي عندما أصبحت أول سيدة تفوز بالذهب الأولمبي بمناسبة دورة لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1984.

اليوم ودائما في إطار التميز والتفرد فهي أول مغربية وعربية وإفريقية تقتحم المجال الأولمبي كعضو في اللجنة الدولية الأولمبية إلى جانب عظمات الرياضة في العالم. كما تشغل منصب عضو لجنة التنسيق للألعاب الأولمبية التي ستقام صيف سنة 2016 بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية وهو نفس الدور والتكليف الذي حظيت به خلال الإعداد لدورة 2012 التي أقيمت بالعاصمة الإنجليزية «لنذن».

نوال المتوكل: حضور رياضي متميز

بدأت البطلة نوال المتوكل مشوارها الرياضي سنة 1978 تحت مسؤولية مدربها الفرنسي «جون فرانسوا كوكان»، هذا الأخير وبعد افتحاص دقيق في مؤهلاتها التقنية والبدنية والسيكولوجية أشار عليها وأقنعها بالتحول إلى سباق مسافة 400م حواجز، حيث ظهرت النتائج خلال الدورة المتوسطية التي أقيمت بالدار البيضاء صيف سنة 1983. والشيء الذي أكدَّ حسن اختيار البطلة كون المنافسة خلال متوسطيات الدار البيضاء، عرفت مشاركة بطلات من أوروبا ودول لها وزنها في هذا التخصص وتنتمي إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، نذكر منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

إذن جديد ألعاب القوى المغربية إسمه «نوال المتوكل» التي اجتازت السهل وكان ينتظرها الصعب المتمثل في المشاركة في أكبر تظاهرة رياضية يشهدها العالم وتعرف أقوى مشاركة من أبطال يفدون على بؤرة التباري من كل أنحاء العالم تبعا لمقاييس تأهيلية معروفة.

ولإعطاء المشاركة في هذا المحفل الكبير ما يستحقه كان لابد من إيجاد الوصفة المناسبة لإعداد هذا الملتقى وضمان المرور إلى النهاية على الأقل... وهكذا جاء الدعم من رجل كان يؤمن بقدرة هذه البطلة على التحدي في شخص المرحوم عبد اللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة الذي هيأ لها الظروف المادية للسفر إلى الولايات المتحدة في طريق عودة لتحسين عدادها وتقنياتها على يد إطار متخصص والبقية يعرفها الجميع.

وبدعم من المرحوم الأستاذ عبد اللطيف السملالي وزير الشبيبة والرياضة الذي كان يرعاها كابنة قبل بطلة، وكذا المرحوم عبد الرحمان المذكوري الذي كان نعم الإطار والموجه وعزيز داودة الأستاذ بالمعهد الملكي مولاي رشيد والمدرب الوطني جاء نداء موطن العم سام الولايات المتحدة بعد حصولها على منحة لمتابعة دراستها في مجال التربية البدنية والرياضة، وفي نفس الوقت التخصص في علم التدليك وهي الفرصة التي خولت لها فرصة الإحتكاك بأبطال وبطلات الولايات المتحدة الأمريكية وبالخصوص الإطار الأمريكي الذي سهر على تدريبها وفتح أمامها حلبات في النوع الجيد ومنافسة مكنتها من تحسين مردودها الرياضي ورقمها الخاص.

لوس أنجلس 84 وأكبر إنجاز

الواقع أن النتيجة التي حققتها فتاة مغربية مغمورة وفي مسافة كانت قصرا على بطلات أوروبا الشرقية والولايات المتحدة الأمريكية شكلت أكبر مفاجأة للإعلام المتخصص والمتتبع والمهتم والمنافس. كل هذا العالم اقتنع بالبطلة الجديدة التي جمعت زخما وعددا كبيرًا من الإنجازات في إنجاز وجبة واحدة.

1 ـ الإنتصار في مسافة جد صعبة وطبق تنافسي غني.

2 ـ المسافة لم تكن إرثا وطنيا ولا قاريا ولا عربيا، وبالتالي فالسيادة أصبحت مغربية عربية إفريقية.

3 ـ تحطيم الرقم القياسي الإفريقي وكذا رقمها الشخصي المغربي.

4 ـ الفوز على بطلة من عيار الرومانية كريستينا كوجوكاري والأمريكية جيدي براون وتفتيت الرقم القياسي بكرونو: 61 ـ 54 كل هذه أشياء انتشى بها المتتبع العارف والجمهور المغربي الذي عاش أجمل اللحظات في هذه الألعاب.

إذن إسم نوال المتوكل أصبح المفخرة، دائما في سياق المنجزات، تمكنت نوال المتوكل من تحطيم رقمين قياسيين إفريقيين، الأول سنة 1984 والثاني في 1985.

نوال المتوكل: وأول تحول في حياة بطلة

سنة 1989 وبعد مواكبة مثالية لكل ما يهم المجال التقني والتأطيري، دخلت نوال ميدان التدريب من بوابة الشهادة التي حصلت عليها من الجامعة الأمريكية لمقاطعة «أوهليو» وهي العملية التي أفرزت ميلاد الخلف في شخص البطلة العالمية نزهة بيدوان التي تتلمذت على يد الأخت الأكبر نوال قبل أن يتحمل نفس المسؤولية الإطار عزيز داودة الذي كمل المشوار.

السيدة المتوكل في دور قيادي

ــــ سنة 1995 عرفت انتخاب البطلة المغربية عضو المكتب التنفيذي للإتحاد الدولي لألعاب القوى، ثم نائبة لرئيس هذا المتنظم إلى جانب السينغالي «لمين دياك».

ـــ سنة 1998 شكلت بالنسبة للإطار نوال المتوكل قفزة كبيرة في إطار دخول التجربة الأولمبية، حيث اختيرت كأول إفريقية وعربية ومغربية عضو اللجنة الأولمبية الدولية.

ـــ في سنة 1999 عينت عضو اللجنة الأولمبية (2000)، حيث أنيط بهذا الإطار الذي أصبح له حضور بارز في هذا التنظيم وبالتالي التكليف من خلال هذه اللجنة التي تم تكليفها بإعداد المقترحات الرامية إلى تعديل القوانين والتنظيمات.

ـــ البطلة الأولمبية المغربية تم تعينها سنة 2005 عضو اللجنة المكلفة بالتنسيق الخاصة بالألعاب الأولمبية 2012.

ــــ في يناير 2007 تم تعيينها نائبة لرئيس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى.

ـــ سنة 2008 وبالضبط في السابع من غشت تم تعيينها عضو اللجنة المنفذة للجنة الدولية الأولمبية. قبل هذا وفي سنة 2004 نذكر أنها عينت رئيسة للجنة التقييم التابعة للجنة الأولمبية الدولية والألعاب الأولمبية التي شهدت اختيار مدينة لندن لتنظيم واحتضان دورة 2012.

ـــ يناير 2010 وأمام النجاح الباهر الذي عرفته اللجنة التي ترأستها المغربية سلمتها رئاسة اللجنة التنسيقية للألعاب الأولمبية في دورة 2016.

ـــ في إطار آخر جاء اعتراف الصحافة في شخص جريدة «ليكيب» الفرنسية التي صنفتها ثانية من بين الأطر الذي شرفوا القارة السمراء.

ـــ يوم 26 يوليوز 2012.. تم إعادة انتخابها نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية (CIO) حيث جاء اكتساحها لعملية التصويت بـ 81 صوتا 3 ضد و3 ملغاة.

نوال المتوكل والمسار السياسي

نحن في سنة 1997 وشهر غشت، محطة لها وزنها في حياة هذه السيدة الشامخة المعالم والمنجزات لتضاف إليها أول مهام في القطب السياسي عندما عينها المغفور له الملك الحسن الثاني كاتبة الدولة لذا الوزير الأول المكلفة بالشؤون الإجتماعية المكلفة بالشباب والرياضة وهو المنصب الذي احتفظت به إلى غاية 1998، حيث برزت كسيدة من حديد من خلال المشاريع التي برمجت لها في إطار إصلاحي تنموي للرياضة المغربية والمجتمع المغربي.

ـــ في أكتوبر 2007 تم تعيينها وزيرة للشباب والرياضة في عهد الوزير الأول عباس الفاسي، وفي 29 يوليوز 2009 تم تعويضها بالوزير منصف بلخياط.

أشياء من مسار بطلة

أول سؤال يطرح في شأن نوال المتوكل البطلة الأولمبية هو السر في توقف هذه البطلة عن الممارسة وحضور بؤر التباري دوليا في سن 25 باعتبار أن تاريخ الإزدياد هو 15 أبريل 1962، خاصة أنها من النوع الذي إنبنى تكوينها على أسس علمية وتقنية مدروسة.

قد يكون سبب التخلي عن ملاحقة الحواجز هو العائق الصحي أي الإصابة، وهذا غير وارد باعتبار أن المهتم كان يعرف ويضطلع بكل شيء يهم عزالة الأطلس.

قد يكون حجم المنافسة الأجنبية خاصة من طرف البطلات المنتميات للمعسر الشرفي آنذاك واللائي عين عن أولمبياد الولايات المتحدة وبالتالي رغبة البطلة في الحفاظ على المكسب الثمين، والتفرغ إلى الدراسة من جديد والتكوين قصد ولوج عالم التأطير والتدريب. هنا نتساءل عن الجهود التي بذلت لعدولها عن قرار إعتزال المشاركة دوليا ؟

تحقيق نوال حلم كل فتاة وبطلة قد يكون هدف رسم وقناعة بضرورة التوقف والتوجه إلى مجال الدراسة والتكوين في وقت مبكر أي في سن 25.

قد يكون كذلك، غياب المنافسة والتنافسية على الصعيد الوطني، كحافز هو السبب في توقف مفاجئ.

الختم الجميل كان عندما سمع النشيط الوطني المغربي لأول مرة في المجال الأولمبي وبالتالي دخول ألعاب القوى الوطنية السجل الذهبي رفقة سعيد عويطة وبعد أن كان البطل المرحوم عبد السلام الراضي قد فاز في دورة روما سنة 1960 في سباق الماراطون.