كيف ولماذا انقرض هذا الطائر الناذر من ملاعب البطولة؟
مهاجمون يلازمهم الإستعصاء وغلتهم شحيحة نصفها ضربات جزاء؟

تعيش البطولة الوطنية منذ مواسم طويلة حالة من العجز وحالة من التراجع المخيف والرهيب على مستوى الغلة التهديفية للمهاجمين، وهي ظاهرة تكررت وعلى نحو مثير في آخر المواسم باستحضار الأرقام الخجولة والضعيفة لهدافي الموسم.
وبين تداخل ما هو تقني مرتبط بمسالة التكوين وبين ما هو فطري غريزي يهم اللاعب المهاجم والقناص الناذر الذي كانت تفرزه الطبيعة وملاعب الأحياء، تعددت المسببات لتقود لنفس الخلاصة والنتيجة وهي أن الكرة المغربية تعيش في واقع الأمر أزمة هداف.
في المتابعة التالية ننبس في تاريخ هدافي البطولة من الألف للياء ونستحضر أسماء لا يعلم عنها أبناء الجيل الحالي الكثير ونقدم قراءة مكتملة لمعطيات تهم مسيرة الهدافين منذ الإستقلال لوقتنا الحالي.

الطبيعة والفطرة
ظلت أولى مواسم البطولة تقدم لنا نماذج لهدافين من العيار الثقيل ولمهاجمين كانوا يجدون طريق المرمى والشباك عن طريق الحاسة السادسة والفطرة ولم يكونوا بحاجة لا لتكوين ولا للتخرج من مراكز الأندية التي لم تكن أصلا موجودة.
من كريمو للحرشاوي لشيشا لمجيد وطرافا وكيبير والعزاوي والشياظمي وفراس، حضرت موجة من اللاعبين الأفذاذ والمميزين الذين كانت تقودهم الفطرة لمرمى المنافس وكانوا يتوصلون لمفاتيح التهديف بطريقة فطرية وحتى دونما حاجة لتوجيهات المدربين ولا من تعاقبوا على تأطيرهم.
لذلك أصطلح على هدافي هذه المرحلة بمهاجمي الفطرة والغريزة وجلهم كان بنهم تهديفي كبير وبحصيلة ترتفع عما هو سائد بالوقت الحالي ولو مع اختلاف سياق تطور الممارسة  وحضرت في مواسم 3 أسماء كانت تتنازع لقب الهداف فيما بينها.

أزمة تكوين
في الوقت الذي أصبحت الفرق تحتكم على موارد مالية مهمة وتحظى بدعم الجامعات والمجالس وصارت لها بنيات تحتية من العيار الثقيل وهو ما لم يكن متاح في السابق، حدث المحظور وحدث ما لم يكن بالحسبان وهو افتقار الفرق للهداف الكبير وللمهاجم القادر على تغيير مجرى النهر والنتائج بمفرده، وهو الأمر الذي كان سائدا في السابق.
الكثير من النقاد والمتتبعين يلقون باللائمة وحتى النقاد والتقيين منهم على الفرق التي تعدم سياسة تكوين تهم المهاجمين لما للمهاجم من قيمة سواء داخل فريقه أو حتى في بورصة تحركه وانتقاله من فريق لآخر وللأرباح المالية التي يضمنها لناديه.
التكوين المغيب على مستوى الفرق كان لا بد وأن يفضي لهذه النتيجة الكارثية وكان لا بد وأن يثمر في نهاية المطاف غيابا صريحا وكبيرا للهداف، وحتى وإن حضر هذا الهداف فإنه يحضر بخجل كبير تعكسه الأرقام والإحصائيات المثيرة لكل أنواع وأشكال الجدل والمرتبطة بعدد الأهداف التي يتحصل عليها في الموسم الواحد وأغلبها من كرات ثابتة وجزاءات تعكس أن خللا ما حدث على مستوى منظومة اللاعب المهاجم بالمغرب.

البوساتي الشامخ
بتعقب آثار الهدافين وتعقب مسارهم بالمواسم الأخيرة ومقارنتها مع السجل الذهبي لهذه الفئة بالسابق يتضح الفارق الذي لا يصلح معه قياس ويتضح أيضا حجم التراجع الذي تطرقنا إليه، إضافة لقيمة الأسماء التي مرت من سماء البطولة.
وحده يمثل ظاهرة فريدة من نوعها ووحده يمثل حالة مثيرة ووحده يمثل أسطورة البطولة لـ 3 أسباب، كونه أول هداف يتحصل على هذا اللقب في 3 نسخ مختلفة وكونه تخطى حجاز 25 هدفا كما يصر هو في روايته وهو الرقم الذي لم يقو أي لاعب من البطولة على اقتحامه أو حتى مجرد الإقتراب منه، ووحده أيضا من سجل 124 هدفا في البطولة على امتداد المواسم التي خاضها والتي بلغت 20 موسما ليكون أكثر من سجل بموسم واحد وأكثر من سجل عبر تاريخ البطولة أيضا.
لهذا لا يمكن القفز ولا المرور على تاريخ محمد البوساتي ولا بصمة البوساتي في البطولة باستحضار هذا الملف، حيث سيمثل هذا اللاعب مرجعية للهدافين الذين انقرضوا وانطلقوا من ملاعب الحي و من الدوريات المصغرة بالأحياء كما جسدها ملعب الصويري بالقنيطرة وهناك من طالب بأن يكون مجسم اللقب الممنوح لهداف البطولة باسم هذا الهداف الخرافي.

ثلاثيات الرعب 
المثير أيضا في النبش والتحليل الذي نفرده لهذه العينة من اللاعبين أن الفرق بالبطولة المغربية لم تكن تتوفر على قناص واحد بعينه ولم تكن تتوفر على مهاجم واحد، وكثيرة هي الحالات التي أظهرت فرقا تتوفر على ثلاثيات وثنائيات وعديد الأسماء التي  كانت تنصهر في قالب واحد لتقدم لنا قالبا هجوميا مرعبا.
حدث الأمر داخل الوداد وداخل الرجاء وشباب المحمدية بحضور ثنائية اعسيلة وفراس الذي كانت العنوان الأبرز نهاية الستينيات ومطلع سبعينيات القرن المنصرم.
بل إن الظاهرة ستمتد حتى الثمانينيات لتنقرض وآخر من جسدها كان ثلاثي الفريق العسكري أنلفوس وعبدالسلام لغريسي وعبد الرزاق خيري، وبالوداد كان حضور حسن ناضر وموسى نداو، وفي مرحلة لاحقة يوسف فرتوت أحد عناوين هذه المثلثات المرعبة.
وحضر ثنائي الكوكب المراكشي محمد قيدي وأحمد البهجة وهو ما لم يعد يلمس ولا نجد له أثرا في واقع البطولة الحالية والتي بالكاد تقدم من خلالها الفرق مهاجما واحدا بالتقسيط غير المريح قادر على الوفاء بالأدوار المنوطة به على الوجه الأكمل.

هل من حل للخلل؟
تعتبر خطوة الجامعة الملكية ومبادرتها تخصيص جوائز مالية وتذكارات للاعب الهداف في البطولة واحدة من الإشارات الإيجابية في محاولة لتحفيز ملكات المهاجمين والهدافين لتقديم أفضل ما يملكون وكذا لإخراج عصارة التهديف الكفيلة بحشد الفرجة والجمهور في الملاعب كون الإجماع موجود بان الأهداف هي جالبة المتعة وهي جالبة المتابعة وغيرها من الأمور الأخرى التي تضيف للمنتوج الكروي الرونق المطلوب.
هذا على صعيد التدبير المؤسساتي الخاص بالجامعة، لكن ماذا عن دور المدربين وأندية البطولة وماذا عن دور اللاعبين أنفسهم في تحسين الأداء الهجومي ودورهم في الإرتقاء بحضورهم  التهديفي على شاكلة الفطرة التي تحكمت في بروز مواهب الأجيال السابقة.
إن واقع الأرقام ينطق بكارثة حقيقية وكارثة مقدرة انعكست سلبيا حتى على مستوى حضور هدافي ومهاجمي البطولة بالمنتخب الأول على شاكلة التأهل الذي ضمنه للمونديال سنتي 94 و98 لاعبين الأول لغريسي من الجيش الملكي والثاني راغيب من نهضة سطات.
الوضع يفرض إجراء تشريح حقيقي لعمق الأزمة ولم لا إجراء دورات تكوينية للمهاجمين على شاكلة الدورات التدريبية لحراس المرمى، وكل هذا لمحاولة نفض الغبار عن أرقام تصيب فعلا بالحرج لهداف بطولة تسمى بالإحترافي وتعلن فرقها بلسان القهر: نحن بحاجة ماسة لهداف؟