منذ قدومنا إلى العاصمة الروسية موسكو قبل أزيد من 10 أيام، دخلنا في سباق ماراطوني غير محدد المسافة، يتطلب التوفر على لياقة بدنية عالية وصبر كبير، ومعرفة بتقنيات التواصل واللغات لتجنب الزيغ عن المسار والتيه.
روسيا أكبر بلد في العالم في المساحة، مرهق جدا في التنقل برا وبحرا وجوا، ليس بين المدن فقط وإنما حتى داخل المدينة الواحدة، ويكفي الإستنجاد بموسكو التي تعتبر في حد ذاتها دولة قائمة الذات.
فشبكة "ميترو" التي تربط بين أحيائها تمتد على 310 كلم، وما بين أقصى الشمال ووسط المدينة مثلا مسافة 30 كلم، تُقطع عبر وسائل النقل العمومي في ظرف ساعة ونصف، أو عبر سيارات الأجرة لمدة تتراوح ما بين 30 و45 دقيقة حسب الإكتظاظ المروري.
ما بين الفندق حيث نقطن ضواحي موسكو وملعب لوجنيكي لسحب بطائق الإعتماد تطلب منا الأمر ساعتين ونصف من التنقل، في شبكة الميترو المتشعبة، حيث تغيير المحطات والوجهات لأزيد من 8 مرات ذهابا وإيابا، وما يرافق ذلك من صعوبات شديدة لضبط البوصلة وعدم الإنسياق نحو الممرات الخاطئة، خصوصا وأن العلامات واللوحات مكتوبة في مجملها باللغة الروسية، والإنجليزية مستنجد بها فقط بعد ركوب الميترو.
الخارطة في يد والهاتف في يد أخرى، وطلب الإرشاد من الروسيين أمر بالغ الأهمية رغم صعوبة التواصل، بحيث لا يتكلم أغلب المواطنين لغة أخرى غير الروسية، ويضطرون لإستخدام أحد التطبيقات لترجمة كلامنا ثم الرد عليه بنفس الطريقة، وفي أسوء الأحوال لغة الإشارة في غياب المتطوعين بمحطات الميترو والحافلات، وإكتفائهم فقط بالحضور في الملاعب والمطارات.
في الأيام الثلاث بموسكو قطعنا زهاء من 100 كلم في التنقل بين الفندق وملعب لوجنيكي ومقر مؤتمر الفيفا، ثم سافرنا بعدها إلى سان بطرسبورغ عبر القطار الذي قطع مسافة 700 كلم في 8 ساعات، لنصول ونجول في هذه المدينة الأرستقراطية حيث صعوبة التنقل أقل مقارنة مع موسكو، قبل الرجوع مجددا إلى العاصمة مباشرة بعد مباراة المغرب وإيران.
1500 كلم بالتمام والكمال ماراطون الأيام الخمسة الأولى بروسيا، قبل التوقف في إستراحة قصيرة وإستغلال إقامة المباراة الثانية ضد البرتغال على تراب موسكو، في إنتظار تحطيم كل الأرقام القياسية بعدها مع تنقل طويل وشاق إلى كالينغراد لتغطية اللقاء الثالث ضد إسبانيا، حيث رحلة من 2400 كلم لا مفر من قطعها جوا لمدة 4 ساعات بين الذهاب والإياب.
تغطية كأس العالم في بلد كروسيا صعب جدا بالنسبة لكبار السن أو المرضى أو الكسالى الذين يكرهون الركض والسرعة ورشاقة الأقدام، فالمسافات طويلة والضغط شديد والأيام الفاصلة بين المباريات قليلة، ومواكبة اللقاءات والتداريب والندوات وكل تحركات المنتخب المغربي عن قرب شيء مرهق جدا وغاية في الصعوبة.
إستحضرت وأنا أكتشف المونديال الروسي وصعوبته على مستوى التنقلات والسفريات زيارتي قبل أشهر إلى قطر، لمعاينة تحضيرات البلد وسير مشاريعه لإحتضان كأس العالم 2022، حيث أسهل مونديال في الإنتظار، إذ كل الملاعب في الدوحة وضواحيها، وأكثر مسافة يمكن قطعها للتنقل 60 كلم، مع إمكانية مشاهدة وتغطية كل المباريات المقامة في اليوم الواحد من المدرجات.
المنتخب المغربي المقيم بفورونيج سيكون في ماراطون بدوره، إذ تنتظره 7100 كلم في الدور الأول، بينما الجمهور ورجال الإعلام سيقطع 4000 كلم، ورغم الإرهاق وقلة النوم فالحماس كبير لدى الجميع لمواصلة تلذذ هذه التجربة والمغامرة التاريخية، وتزويد الحقائب المعرفية والمهنية، فلمثل هذا التعب طعم خاص، وإكتشاف رائع لا يتكرر إلا نادرا.