هي مباراة على ملعب لوجنيكي في موسكو، تجمع 22 لاعبا يتقاذفون كرة بين أقدامهم، ويجرون على عشب أخضر يحده مرميان. على قمصانهم علم لفرنسا وآخر لكرواتيا، وعلى أكتفاهم أحلام ملايين العيون الشاخصة نحو الكأس.

بعد أكثر من أربعة أسابيع، يصل مونديال روسيا 2018 الى النهائي، الموعد المنتظر مرة كل أربعة أعوام. مباراة واحدة، من 90 دقيقة أو 120 كحد أقصى في حال التمديد، تختصر سنوات من الجهد والتعب.

هي أكثر من مباراة لأكبر مسابقة للعبة واحدة. عشق كرة القدم المتجذر لدى مئات الملايين يجعل منها مصبا للأحلام والآمال التي تختصر بلقب ثان لفرنسا بعد مونديال 1998 على أرضها، أو لقب أول لكرواتيا في تاريخها.

يدرك اللاعبون ثفل الحمل. هم على موعد مع كأس حلم بها الآلاف من أقرانهم دون ان يصلوا اليها، لكنها مساء اليوم، ستكون في انتظارهم عندما يدخلون أرض الملعب على مرأى العالم أجمع.

أبعد من الطموح الشخصي للاعبين، ثمة أحلام لكل مشجع يرتدي قميص منتخب بلاده، أكان من مدرجات الملعب الذي يتسع لنحو ثمانين ألف شخص سيتقدمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من قادة العالم، الى عشرات الآلاف في مناطق المشجعين في كل مكان.

ويحبس الفرنسيون أنفاسهم قبل النهائي، مع انتشار الأعلام على الشرفات والساحات العامة. وعكست الصحف الترقب، فكتبت "ويست فرانس" على صفحتها الأولى "اجعلونا نحلم!"، بينما طالبت "لو باريزيان" لاعبي المدرب ديدييه ديشان، قائد المنتخب الذي توج بلقب 1998، بـ "انتزاع النجمة الثانية".

وقال ديشان في تصريحات سبقت النهائي "لا يوجد ما هو أجمل وأقوى من نهائي كأس عالم. ثلاث كلمات ستكون مهمة: صفاء، ثقة، وتركيز".

قائد المنتخب الحارس هوغو لوريس قال "بذلنا الكثير من الجهود (...) ونريد ان نمنح أنفسنا فرصة للفوز بهذه المباراة الأخيرة".

هذا هو الهدف بالنسبة للفرنسيين الذين لم ينسوا بعد خيبة الخسارة في نهائي كأس أوروبا 2016 على أرضهم أمام البرتغال وكريستيانو رونالدو. هدف واحد في الوقت الاضافي قضى على أحلام ملايين يترقبون صافرة النهاية للاحتفال، كما فعلوا ذات مونديال 1998، أو ذات كأس أوروبا 2000.

وقال بائع الصحف في منطقة سين-سان-دوري انطوان راتيي (59 عاما) لوكالة فرانس برس صباح الأحد "أنا متوتر بشكل كبير (...) لكنني واثق" من قدرة المنتخب على الفوز باللقب، مشيرا الى انه سيتابع المباراة في منزل أصدقائه "وآمل في ان نقوم بعدها بشرب الشامبانيا" احتفالا بالفوز.

تنتظر باريس والمدن الفرنسية بفارغ الصبر مساء اليوم، لعله يحمل معه بشرى الفوز ويعيد للبلاد مشاهد التتويج بلقب 1998، يوم رسم وجه زين الدين زيدان على قوس النصر.

في حال رفع لوريس الكأس الذهبية اليوم، ثمة وجوه عدة قد ترسم على قوس النصر، او يصدح المشجعون بأسمائها على جادة الشانزيليزي. أولها ديشان الذي سيصبح في حال الفوز ثالث شخص فقط يتوج بكأس العالم كلاعب ومدرب. يضاف اليه الموهبة كيليان مبابي (19 عاما)، وانطوان غريزمان الهداف الذي تحول الى ضابط ايقاع لحركة المنتخب، وأوليفييه جيرو، رأس الحربة الصائم عن التهديف، والمدافعون الذين تميزوا بصلابتهم.

كان المنتخب الكرواتي مبهرا في روسيا، ليس فقط بمواهبه مثل القائد لوكا مودريتش وايفان راكيتيتش وماريو ماندزوكيتش، ولا لأنه تجاوز "تمرد" المهاجم نيكولا كالينيتش واستبعده من التشكيلة، ولا حتى لتخطيه أزمة الفساد المحيطة بالرجل القوي في اللعبة محليا زدرافكو ماميتش.

كل هذا لا يقارن بالجهد الذي بذله اللاعبون في الأدوار الاقصائية (ثمن وربع ونصف النهائي): ثلاث مباريات، ستة أشواط إضافية، وثلاثة انتصارات بعد التأخر بالنتيجة في كل مرة.

لعب الكروات بالكرة في الملعب، وبأعصاب مواطنيهم خارجه. احتاجوا لضربات الترجيح ضد الدنمارك وروسيا، والى التمديد ضد انكلترا، تواليا. بات للبلاد الصغيرة ذات الأربعة ملايين نسمة تقريبا، جيل جديد ورث (وتفوق على) جيل 1998 الذي بلغ نصف نهائي مونديال 1998، في أول مشاركة لكرواتيا في البطولة العالمية كدولة مستقلة.

يومها، خرج المنتخب ذو قميص المربعات الحمراء والبيضاء على يد فرنسا في نصف النهائي. اليوم، سيكون منتخب البلد الخارج الى الاستقلال مطلع التسعينات من القرن الماضي من رحم العملاق اليوغوسلافي، على موعد، مع التاريخ أولا، وموعد الثأر من فرنسا ثانيا.

في كرواتيا، ثمة انتظار للأبطال. اكتست العاصمة زغرب بالألوان الحمراء والبيضاء. وصباح الأحد، رفع مخبز شعار "سنلتهم الفرنسيين"، مرفقا بصورة لرجل يكسر خبر "الباغيت" التقليدي الفرنسي. حتى الشعائر الدينية في البلد الذي يشكل المسيحيون الكاثوليك نحو 90 بالمئة من سكانه، ستقام على إيقاع المباراة، بعدما أرجأ كاهن كنيسة قداس المساء لساعتين.

قالها اللاعب ايفان راكيتيتش الجمعة "هذه مباراة تاريخية ليس فقط بالنسبة إلينا، بل لكل من هو كرواتي. سيكون ثمة 4,5 ملايين لاعب على أرض الملعب (...) نعرف ان هذه أكبر مباراة في حياتنا".

السؤال الأكبر الذي طرح على المدرب زلاتكو داليتش في مؤتمره الصحافي السبت، كان عن جاهزية اللاعبين لخوض النهائي، بعد المعاناة البدنية في الأدوار الاقصائية. كان صريحا: من ليس جاهزا مئة بالمئة، لن يشارك.

شدد على ان اللاعبين يدركون أهمية المباراة، وأمل في ان يكونوا "مستعدين. في حال لم يكونوا، لدينا لاعبون كبار على مقاعد البدلاء".

الجمعة، قال راكيتيتش ان اللاعبين سيحصلون على "طاقة" اضافية مستمدة من كل الدعم الآتي من بلادهم. زميله في خط الوسط لوكا مودريتش الذي تنهال عليه إشادات تزكيه لجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، شدد على انه "قبل مباراة مهمة لا يجب ان نغير شيئا. علينا ان نرتاح، والاستعداد (...) سنقوم بكل ما يمكننا القيام به من أجل الفوز".

يدرك لاعبو المنتخب الكرواتي انهم أمام فرصة لم تتح لأي كان في تاريخ بلادهم، وقد لا تتكرر لأجيال مقبلة. لاعبو المنتخب الفرنسي يدركون أيضا انهم مطالبون بالعودة لبلادهم بكأس الفرح، وطي صفحة الانتظار الطويل وسلسلة الاعتداءات التي ضربت البلاد في الأعوام الأخيرة.

لكل هذا وأكثر، ثمة كرة قدم، ومئات الملايين حول العالم ينتظرون صافرتين من الحكم الأرجنتيني نستور بيتانا: بداية... ونهاية تطلق موجة الاحتفالات في بلاد، ونهر الدموع في الأخرى.